لم تفلح هجمة تيارات دينية على ملتقى النهضة في إقناع منظميه بالتخلي عنه، فبعد أن منعت وزارة الداخلية الكويتية اللقاء، وبعد إصدار 36 عالماً سعودياً بياناً يستنكرون فيه ويحرمون حضور الملتقى، وبعد فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك ضد الدكتور سلمان العودة والدكتور مصطفى الحسن، بعد هذا كله أصر شباب كويتيون على إقامة الفعاليات نفسها، في جمعية الخريجين، تحت عنوان: «ملتقى المجتمع المدني»، وهو عنوان الملتقى الذي مُنِع! أمام زخم البيانات والهجمة الدينية، يعتزم شباب النهضة المشاركون، إصدار بيان مضاد لتوضيح موقفهم تجاه القضية، ولتأكيد إسلاميتهم، ورفضهم الوصاية وإقصاء الآخر. بعد أن تصدر ملتقى النهضة الصفحات الأولى في الصحف الكويتية كافة بين معارض ومؤيد. ليس اللافت إقامة ملتقى المجتمع المدني كبديل للنهضة رغم منع الداخلية الكويتية له فحسب، بل تُعد مشاركة الدكتور طارق السويدان كرمز إسلامي في جمعية الخريجين (معقل التيار الليبرالي، الوطني والديموقراطي)، الأولى من نوعها حتى وصف بعضهم الأمر بأن الساحة الكويتية تشهد مخاض اتفاق «ليبرالي - إخواني». كثير من مشاركي النهضة تهامسوا بعد المحاضرة أن أطروحة السويدان حول الحريات تُغني عن فعاليات اللقاء كافة، من شدة إعجابهم بها، إذ أكد السويدان أن «الحرية مقدسة، وأنها مبدأ من مبادئ الإسلام»، وطالب بالحرية قبل تطبيق الشريعة، ولفت إلى أن دول الربيع العربي أوصلت الإسلاميين إلى سُدة الحكم لكنه أكد حالفاً بالله أنه «إذا استبد الإسلاميون في الحكم... فوالله العظيم سنثور عليهم كما ثرنا على من قبلهم»، ما جعل الحضور يصفق بشكل متواصل. توجّه السويدان إلى مواضيع أخرى تُعد محظورة في الطرح الإسلامي، إذ رأى أنه لا يوجد مانع عنده من وجود التبشير في الكويت مثلما يبشر المسلمون بإسلامهم في الدول غير الإسلامية، متسائلاً؛ هل التبشير حلال علينا وحرام عليهم؟ ولماذا نخاف من التبشير طالما أننا نقف على أرض ثابتة وعقيدة قوية؟ ورأى السويدان أن الحديث النبوي «لا يجتمع في الجزيرة العربية دينان» صحيح، ولكن معناه، بحسب قول العلماء، ألا تكون فيه السيادة لغير الإسلام وليس له ارتباط نهائياً ببناء الكنائس، وما يؤكد صحة ذلك أنه حتى في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان هناك نصارى ويهود. ولفت إلى أن الإسلام ليس ضد الأديان الأخرى، إذ لا إكراه في الدين، موضحاً أنه توجد هناك نحو 200 آية في القرآن الكريم توضح أنه لا إكراه في الدين، مستغرباً من اعتماد بعض الجماعات الإسلامية على حديثين أحاديين وهما «من بدل دينه فاقتلوه»، والآخر «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والمفارق للجماعة والتارك لدينه». متسائلاً: هل تُلغى 200 آية من القرآن الكريم من أجل هذين الحديثين الأحاديين؟ لافتاً إلى أن العلماء قالوا إن الأحاديث إذا تعارضت مع النص القرآني فإنها يجب أن تؤول حسب النص القرآني. من جانبه، أكد الدكتور توفيق السيف في محاضرته التي جاءت بعنوان «المواطنة والمجتمع المدني» أن المجتمع المدني في الكويت فاعل ونشط، ويحرص على ممارسة دوره الذي كفله له الدستور، والدليل إقامة هذا الملتقى البديل، وأضاف: «المواطنة محور وأساس لكل مجتمع سياسي حديث يتطلع إلى علاقة تعاقدية وديموقراطية تؤمن بسيادة القانون ومشاركة الشعب في صناعة مستقبله، مبدأ المواطنة ببساطة هو منظومة من الحقوق يتمتع بها كل شخص ينتمي إلى أي مجتمع سياسي، ومقابل كل حق في هذه المنظومة هنالك تكليف». ولفت إلى أن «في ثقافتنا السائدة وتراثنا هنالك إهمال لفكرة الحق، إذ إن الثقافة العربية التي ورثناها وتعلمناها تركز على التكليف»، وبين أن المجتمع المدني مرَّ تعريفه على مرحلتين وهو يعرف ب«مجتمع المدينة» الذي يحكمه القانون، فيطلق عليه هذا الاسم ليميزه عن «مجتمع الغابة» ما قبل الدولة، مشيراً إلى أن المجتمع المدني هو المنطقة الوسطى بين الدولة والعائلة. وذكر السيف أن داخل «بيت الإنسان» ليس للدولة ولاية أو سلطة، والسلطة الوحيدة التي تحكم هي سلطة «الضمير» وعندما يخرج الإنسان من البيت يدخل في المجال العام الذي يحكمه القانون. وقال السيف: المجتمع المدني هو إحدى الأدوات التي طورها الإنسان للحد من الاستبداد، موضحاً أن فكرة المواطنة ليست ناضجة بالقدر الكافي في مجتمعاتنا. أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور غانم النجار، فاعتبر إقامة الملتقى البديل انتصاراً للمجتمع المدني وقال في بداية حديثه: «الحمد لله انتهى الملتقى ولم تحدث كوارث ولم تقع صواعق ولم تسقط السماء ولم يزدد الكفار كافراً واحداً»! مؤكداً أن الملتقى عبارة عن المجتمع المدني الذي نتحدث عنه. ولفت في محاضرته التي حملت عنوان (المجتمع المدني وحقوق الإنسان) إلى أن «المعادلة القائمة بين الحكومة والبرلمان فاشلة، لأنها تفتقر إلى مشاركة المجتمع المدني»، داعياً في السياق ذاته، إلى أن تكون الحرية أساس الوجود لهذا المجتمع. كما أكدت الزميلة هالة الدوسري من خلال «الفيديو» بعد الاتصال بها عبر الإنترنت أن هناك فرقاً كبيراً بين الجنسين في دول الخليج، وذلك من خلال الفرص المتاحة للمشاركة في المجالين السياسي والاقتصادي. وذكرت الدوسري أن الفضاء العام لم يستوعب خصوصية المرأة، فمن الصعب مشاركتها في القضايا السياسية والمهمة، مبينة في الوقت نفسه أن الدولة توفر للمرأة حقوقها، لكن في النهاية لا تستطيع ممارستها بعضَ العوائق التي يوجِدها المجتمع. وأشارت الدوسري إلى أن المجتمع يمنح الرجل مزايا ويفرض على المرأة قيوداً، مؤكدة في الوقت نفسه أن المرأة في الخليج مظلومة، ولم تتم مساواتها بالرجل. وقالت الدوسري إن ارتداء الحجاب حرية شخصية، فهناك نساء رائدات «محجبات»، وكذلك «غير محجبات» ورائدات أيضاً، مشيرة إلى أن هناك نسبة قليلة من الرجال يتعاطفون مع المرأة ويحاولون دعمها.