أصدرت وزارة الداخلية الكويتية تعليماتها إلى النشطاء الإسلاميين القائمين على ملتقى «النهضة» الثالث، بإيقاف الملتقى الذي يشرف عليه الشيخ سلمان العودة، ويشارك في تنظيمه وإحياء فقراته، شخصيات سعودية وخليجية، ينتمون إلى تيارات مختلفة. وقبل أقل من 24 ساعة على انطلاق فعاليات الملتقى، بث المنظمون عبر وسائطهم الإعلان عن إيقافه قائلين: «أبلغتنا وزارة الداخلية بدولة الكويت اليوم 22 آذار (مارس) 2012 بمنع إقامة (ملتقى النهضة الشبابي الثالث)... وأكدت لنا أنه لا يوجد أية تحفظات على موضوع ومحاور الملتقى، ولا على القائمين عليه، ولا على المحاضرين، وأنه مرحب بهم في دولة الكويت في أي وقت، و تبين لنا نحن إدارة الملتقى أن سبب المنع هو التحريض الذي حدث في الفترة الأخيرة». وكان الملتقى تعرض لهجمة استباقية من أطراف عدة. لم تكن من مدرسة واحدة أو طيف فكري واحد. حاكمت «المتحدثين» قبل أن ينبسوا بكلمة واحدة (عوداً لمقالاتهم). رمت تلك الهجمة المشرف العام على الملتقى الدكتور سلمان العودة بقوس التخوين تارة، والتشويه تارة أخرى. العودة لم يتوقف عند اتهامات الخصوم القدامى (السلفية العلمية «الجامية») كما ينعتهم الخصوم، ولا عند الرفاق القدامى (السلفية الحركية «السرورية») أيضاً. على رغم أن الاتهامات التي قيلت عنه من عيار ثقيل، مثل «التحريض على إسقاط أنظمة، وتمرير الفساد عبر اختلاط الجنسين». لم تكن حدة السلفية الحركية، كأختها العلمية. ربما يعود ذلك إلى أن السلفية الحركية كانت تتلمذ على يد الدكتور سلمان العودة في نسختها الأولى قبل حرب الخليج، لكنها انفضت بعد «بيان التعايش» الذي أعقب أحداث 11أيلول (سبتمبر). من بعض الردود اللطيفة ما كتبه عبدالله الوهيبي في توتير: «ما زلت أحسن الظن بالشيخ سلمان العودة وأزعم أنه لا يوافق على تفاصيل الملتقى، وأن هناك توظيفاً (ما) لاسمه لإضفاء شرعية للمشروع»، في حين أكد وليد الهويريني أنه محب للشيخ سلمان العودة ويتبرأ من كل متعد عليه بألفاظ جارحة إلا أنه يرى، من الخطأ تصوير الملتقى كأنه اجتماع نخبوي لأطياف متعددة تهدف للحوار وتبادل وجهات النظر فالهدف أكبر من ذلك بكثير كما هو واضح من فعالياته. وفي السياق ذاته يقول سلطان العميري: «أتفهم موقف الإخوة المدافعين عن ملتقى النهضة، ولكن نرجو(عدم التسطيح)، فالانتقاد ليس لأجل الحوار والثقافة، إنما لأمور أخرى مختلفة»، لكنه لم يحدد ما هي الأمور الأخرى. الناشر الصحافي، نواف القديمي (أحد المشاركين والمنسقين في الملتقى الثاني) لفت إلى أن هناك ملتقيات تهدف إلى «تحصين الأتباع» وهناك ملتقيات تهدف إلى «الحوار مع الشباب»، وهذا ما يسعى له ملتقى النهضة، وان الملتقى قائم على الحوار المتنوع في قضايا النهضة وتطور المجتمعات. يتحدث فيه الإسلامي والليبرالي والقومي، وتنشر ندواته في العلن، متسائلاً كيف يقيم البعض ندواتٍ حول موضوع، ثم يستضيف ثلاثة متحدثين متفقين تماماً في الرأي، معتقداً أن هذه جلسات تلقين لا ندوات حوارية، في حين طالب الباحث الشرعي عبدالله المالكي بأن «يقام ملتقى شبابي للنهضة وفق رؤية سلفية، حتى يكون هناك تنافس وعرض للأفكار في أسواق العقول .. والمشتري له حرية الاختيار». أخذت حملة المطالبة بإيقاف «النهضة» بعداً أكبر، حين تردد صداها داخل جدران «مجلس الأمة» الكويتي، باعتبار أنه يصدر أفكاراً «مشبوهة» وأن المشرف عليه (الدكتور سلمان العودة) معارض كما يقول النائب السلفي «أسامة المناور». اللافت أن المناور يعد معارضاً للحكومة الكويتية إذ شارك في احتجاجات عدة ضدها. لم يكن المناور هو النائب الوحيد الذي أبدى تذمره، إذ شاركه نواب آخرون ك«محمد هايف» و«عبداللطيف العميري» و«محمد الجويهل» باعتبار أنه ملتقى يصدّر أفكاراً «مشبوهة». بعض الخصوم رأى أن ممانعة الدكتور سلمان العودة من الاستعانة بالقوات الأجنبية في حرب الخليج الثانية في التسعينات، هي طرد للكويتيين. في حين قال عضو ملتقى النهضة من دولة الكويت سعد ثقل العجمي: «لا يوجد أي موانع قانونية ضد إقامة الملتقى في الكويت، إذ كفل الدستور حرية التعبير، ومن القائمين على الملتقى كويتيون وأنا على استعداد لتحمل المسؤوليات القانونية كافة كما أنه سيدرس اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من «يرمي التهم جزافاً من دون بينة ولا برهان» على حد وصفه. ضج الفضاء الافتراضي بنقاش محتدم، شبيه بالنقاش الذي أحدثه الكاتب عبدالله المالكي حين كتب «سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة»، تولاه خصوم أسموا الملتقى ب«بهو الماريوت التنويري» تذكيراً بالجلبة التي حدثت بعد تصريح الكاتب صالح الشيحي، كما أبدوا تذمراً من أسماء المتحدثين لأن منهم تيارات أخرى مخالفة للسلفية. خصوم آخرون للملتقى، اجتزأوا مقاطع من محاضرة للمفكر عزمي بشارة في الملتقى الثاني كان بعنوان المجتمع المدني، ثم قالوا إن الملتقى يهدف ل«إسقاط الأنظمة»، و«زعزعة الاستقرار» في دول الخليج. في كل عام لا يتدخل الدكتور سلمان العودة في وضع برنامج الملتقى أو اختيار الضيوف، مفوضاً الأمر إلى مدير الملتقى الدكتور مصطفى الحسن ورفاقه (مشاري الغامدي، محمد ديريه، ومسفر الغامدي وفهد الحازمي). الحسن أكد قبل ثلاثة أعوام أنهم لا ينتمون لأي جهة، وأن الملتقى لا يهدف لشيء سوى الدعم المعرفي للمبادرات الإيجابية، ولن يسمح بتجييره لأي طرف من الأطراف. مع سخونة الاحتجاجات، والنفخ في «قربة» الطائفية، والمطالبة بعدم تسليم الشباب لعقول الأطياف الأخرى، إلا أن مدير ملتقى النهضة الدكتور مصطفى الحسن لم يتأثر بذلك ورأى في حوار إعلامي، أن بعض الأوساط في المجتمعات الخليجية «تمر بحالة تأزم طائفي بين السنة والشيعة، وهناك من يعتبر مجرد اللقاء والحوار تهمة يجب الدفاع عنها، فلذلك مبدئياً نحن لا نعد استضافة محاضرين شيعة في الملتقى تهمة يجب الدفاع عنها، بل على من يعدها تهمة أن يدافع عن نفسه من تهمة العنصرية والطائفية... فنحن نتحدث عن مجتمع مدني في بيئة إسلامية، ومن يريد الحديث عن تطبيق الشريعة فلابد أن يحدد تصوره تجاه المجتمع المدني، ونحن نعتقد بان هذا الملتقى يسهم بشكل مباشر في ذلك».