لا تزال الثورة السورية تتصاعد وتأخذ أشكالاً متعددةً. يعدّ المنشقون العسكريون أبرزها وجزءاً من الثورة ضد السلطة، التي تشنّ حرباً مفتوحةً وبلا هوادة منذ أكثر من شهر. وعلى رغم بساطة نوعية السلاح ومحدوديته، فإنّهم أحرزوا انتصارات حقيقية على السلطة في الأشهر الأخيرة. اعتماد قطاعات شعبية على السلاح فقط لحسم المعركة ضد النظام كان أمراً خاطئاً وضد تطور الثورة، وهو ما شجع عليه الإعلام العربي والمجلس الوطني والقتل العاري لقوات النظام. هذا السلاح كان يجب أن يبقى كما كان في لحظة ظهوره، أي لحماية التظاهرات وليس بديلاً عن الثورة السلمية، الأمر الذي يفترض تنسيق العمل العسكري بما ينسجم مع تطوير الانتفاضة وتوسيعها. حيث أنّ تجربة السيطرة على الأحياء والبلدات، ثم إخلاءها، مؤشرٌ يرجّح ما قلناه، لجهة نقد سحر اللجوء إلى السلاح، وكأنّه الحل فعلاً! انتهجت السلطة السورية، القمع والتنكيل والسجن، وكل أشكال العنف منذ اللحظة الأولى ولا تزال. ومن أسباب هذا الهجمة العسكرية الجديدة، وصول النظام إلى حالة من التأزم الشديد، يتضمن تزايد الانشقاق بين صفوف العسكريين والامتناع عن الخدمة الإلزامية، ومحاولة خلق التفاف شعبي جديد، وحشد أنصاره من حوله، بعد تراجعه بشكل حاد، وبقاء السلطة وحيدة بأجهزتها القمعية، وعزلة دولية واسعة ومتواصلة، عدا عن شرطٍ عامٍ متعلّق بأزمةٍ اقتصادية متفاقمة وتدهور الوضع الاقتصادي للطبقات المفقرة، وانخفاض قيمة الليرة السورية إلى النصف تقريباً. الإيغال في القتل، جاء كمحاولة يائسة لردع الشعب الثائر، وهي السياسة ذاتها التي انتهجتها السلطة منذ بداية الانتفاضة، فكانت نتائجها توسع الانتفاضة؛ ومؤخراً شهدنا تصاعد الثورة في حلب وفي السويداء والرقة. مهمة وفد الجامعة العربية، وطرح موضوع النظام السوري على طاولة مجلس الأمن الدولي، وطرد سفراء النظام السوري ومداولات الجامعة العربية والوزراء العرب وغيرها بما يخص الوضع السوري، واللقاء الروسي مع الجامعة ودول الخليج، ولاحقاً وساطة كوفي أنان، لم تكن ذات فائدة تذكر في ما يخص إيقاف النظام عن قمعه وتدميره. فقد كانت الثورة هي من حطم مرتكزات السلطة وأوصل النظام إلى حالة من الإفلاس النهائي، واقتراب السقوط، ولم يبق أمامه سوى خيارات الدمار الشامل – كما يفعل - إلى أن تأذن ساعة رحيله المفاجئ... وهنا من الخطأ الكلي تقييم النظام من زاوية قوة روسيا وطموحاتها العالمية ووقوفها إلى جانبه، فروسيا ذاتها ستكون بسبب الثورة أمام تحد جديد، وهو كيفية إنقاذ مصالحها من نظامٍ يكاد يتهاوى، وهذه اللحظة نعيشها الآن. يقع على الثائرين، وعلى رغم حدة القتل والقمع الشديدة، انتهاج سياسات جديدة، تقوم على تشكيل قيادة سياسة موحدة لا علاقة للقوى السياسية بها، ورفض كل عمل عنفي له سمة الطائفية أو العنف أو أية انتهاكات، ولا سيما في حمص وإدلب وغيرهما، وأن يصار إلى إعلان أهداف عامة للثورة، كخيار الدولة المدنية، وضمان حقوق الفقراء والموظفين، ورفض أية سمة طائفية للدولة المستقبلية، وتبيان مخاطر التدخل الخارجي ورفضه، والشجب الكامل لأية معارضة تطلب ذلك أو تحاور السلطة، والعودة إلى التظاهرات السلمية كشكل رئيسي للثورة، وتطوير كل أشكال الاحتجاجات والإضرابات، وصولاً إلى العصيان المدني العام في كل سورية ورحيل السلطة. * كاتب سوري