مع تزايد الاحتجاجات والتظاهرات وتصاعدها في أكثر من مدينة سورية حتى شملت في 22 نيسان (أبريل) الماضي أكثر من 84 مدينة وبلدة سورية، بدأ السؤال يتصاعد بقوة وهو من يقف وراء الاحتجاجات في سورية؟ وما هو دور المعارضة السورية؟ وهل ستلعب المعارضة في المستقبل دوراً في توجيه مسار الأمور في سورية فيما لو سقط النظام السوري الحالي كنتيجة لتصاعد الاحتجاجات واتساعها؟ لا بد من القول في البداية أن الانتفاضة السورية هي انتفاضة شعبية غير منظمة من دون قيادة محددة ولا تحمل أية أيديولوجيا محددة. إنها شبيهة تماماً بالحالة التونسية أكثر منها بالمصرية حيث لعبت الحركات الشبابية مثل حركة 6 أبريل أو مجموعة «كلنا خالد سعيد» دوراً محورياً في تحديد يوم الخروج للتظاهر ضد نظام الرئيس مبارك في يوم عيد الشرطة في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، لكن في الحالة السورية وبحكم شدة القبضة الأمنية فقد كان من المستحيل تماماً وجود حالات منظمة أو شبه منظمة لحركات شعبية حتى ولو نشطت في السر، ولذلك وجدنا عشوائية كبيرة في مناطق خروج التظاهرات في كل المدن السورية تقريباً ومن دون تنظيم مسبق، وعشوائية أخرى في طريقة رفع الشعارات رغم تركيزها الكبير على الحرية والكرامة التي هي بالتأكيد العنوان الرئيسي للثورة السورية، كرد على احتقار الدولة الأمنية السورية لطريقة التعامل مع مواطنيها. لكن مع تطور الاحتجاجات كانت التظاهرات تزداد حجماً من أسبوع إلى آخر كما أن المطالب والشعارات تزداد جرأة في الوقت نفسه، حتى توحدت بشكل ما تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، هذا الشعار الشهير الذي بدأ من تونس وتردد في مصر ونجح في إسقاط نظامين من أكثر الأنظمة القمعية في المنطقة العربية. كان من الطبيعي بعد ذلك أن يخرج قادة ميدانيون في كل مدينة قادرون على تنظيم التظاهرات وحركتها ومحتوى الشعارات التي يجب أن ترفع، وقد لعب هؤلاء القادة الميدانيون دوراً محورياً في تصاعد هذه الاحتجاجات. وبالرغم من أنهم ما زالوا حتى هذه المرحلة أشبه بالقادة المحليين ولم يرتقوا كي يصبحوا قادة على المستوى الوطني، فهذا الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، إلا أن طريقة تنظيم التظاهرات تعكس أن هناك تنسيقاً ما بدأ يؤتي بثماره في تنظيم التظاهرات على المستوى الوطني. لقد لعب المسجد بكل تأكيد دوراً محورياً بخاصة في مراكز المدن الرئيسية في استخدامه كنقطة بدء للتظاهرات أكثر من كونه موجهاً لها، فتطبيق قانون الطوارئ في سورية لمدة تزيد عن 47 سنة لم يؤدِّ فقط إلى حظر التظاهرات والتجمعات وإنما قضى على التقاليد الضرورية لتمرين الشباب على الخروج والتظاهر من أجل المطالبة بحقوقهم، وهي الحالة التي وجدناها تماماً في أميركا اللاتينية حيث لعبت الكنيسة دوراً رئيسياً في قيادة الاحتجاجات ضد الأنظمة العسكرية هناك ولذلك أطلق عليها ما سمي بلاهوت التحرير. في الحقيقة لا ينتمي أي من هؤلاء القادة الميدانيين إلى أي من الأحزاب السياسية الأيديولوجية التقليدية، بل ربما يحاذرون الانتساب إليها أو حتى فتح حوار مع قادتها حول أفكارها التي لم تعد جاذبة لهم ولحركتهم. وعلى ذلك فإنه يمكن تقسيم المعارضة السورية اليوم إلى ثلاثة أنواع رئيسية تلعب دوراً في تصاعد الاحتجاجات الحالية في سورية: - المعارضة التقليدية: وهي تشمل أحزاب المعارضة التقليدية التي أبعدت أو رفضت الدخول في «الجبهة الوطنية التقدمية» الحاكمة التي تشكلت في عام 1972 ثم انتظمت في ما يسمى «التجمع الوطني الديموقراطي» في عام 1983 وهي تشمل حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الشعب الديموقراطي وحزب العمال الثوري وحزب البعث العربي الاشتراكي الديموقراطي، وكما نلحظ فإنه يغلب التوجه القومي واليساري على توجهات كل الأحزاب المنخرطة في هذا التجمع، وهناك أيضاً «الإخوان المسلمون» الذين خاضوا صراعاً مسلحاً مع السلطات السورية في ثمانينات القرن الماضي خلّف عشرات الآلاف من القتلى وقامت الأجهزة الأمنية السورية باعتقال أكثر من مئة ألف خلال فترة الثمانينات والتسعينات من أجل قمع الاحتجاجات وإلى الآن يوجد أكثر من 17 مفقوداً لا تعرف عائلاتهم مصيرهم، وقد أصدرت السلطات السورية القانون رقم 49 الذي يحكم بالإعدام على كل منتسب إلى «الإخوان المسلمين». ولذلك فتواجدهم على الأرض انعدم تماماً مع بقاء بعض التعاطف تجاههم كونهم تحمّلوا الكثير من القمع والاضطهاد، لكن في الوقت نفسه هناك من يحمّلهم من السوريين المسؤولية عن حملهم السلاح ويلقي باللائمة عليهم بالرغم من أنه يدرك تماماً أن المسؤولية الكاملة إنما تقع على عاتق الدولة، ولذلك فإن تأثيرهم في هذه الأحداث ضعيف تماماً حتى بعد أن اتخذوا قرارهم بدعم الاحتجاجات في سورية. وقد استطاعت المعارضة السورية وتحديداً بعد عام 2005 أن ترتقي خطوة أخرى باتجاه تجميع جهودها تحت مظلة ما يسمى «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي»، وقد ضم تحت مظلته بالإضافة إلى التجمع شخصيات مستقلة، كما أعلن «الإخوان المسلمون» السوريون الموجودون خارج سورية عن تأييدهم لهذا الإعلان والانضمام إليه. كل هؤلاء لعبوا دوراً ثانوياً في قيادات التظاهرات أم حتى التحريض للخروج فيها، بل ولم تظهر أحزاب المعارضة التقليدية تلك القيادة الضرورية لتوجيه التظاهرات وتحقيق ضغط أكبر على النظام من أجل رحيله والتحول باتجاه نظام ديموقراطي كما تطالب كل وثائقها السياسية التي صدرت خلال العقود الماضية، لكن لا بد من الإشارة إلى أن بعض هذه القيادات لعب دوراً محلياً في توجيه التظاهرات وقيادتها ولكن في مرحلة متأخرة كما فعل حزب الاتحاد الاشتراكي في تصاعد التظاهرات في مدينة دوما بالقرب من مدينة دمشق حتى زادت الأرقام عن 50 ألف متظاهر. لكن لا بد من القول هنا أنه وبحكم خبرة أعضائها السياسية الطويلة فإن هذه المعارضة التقليدية تتمتع بالخبرة السياسية الضرورية في التفاوض ربما من أجل إدارة المرحلة الانتقالية القادمة في المستقبل، وربما ولهذا السبب قامت الأجهزة الأمنية السورية باعتقال كل قياداتها بالرغم من أنها تدرك تماماً دورهم المحدود في إخراج التظاهرات، لكنها رغبت في منع هؤلاء القادة من تطوير البديل المناسب والضروري، بحيث يبقى النظام السوري ممسكاً بكل خيوط اللعبة ومهدداً بنفس الوقت بأن الفوضى هي البديل الوحيد عنه. - أما النوع الثاني من المعارضة فهم القادة الميدانيون، فقد برز خلال هذه التظاهرات نوع جديد من القادة هو ما أشرنا إليه بأنهم قادة ميدانيون يتمتعون بالاحترام داخل مدنهم المحلية وأثبتوا قدرة على القيادة وتنظيم التظاهرات وتوجيهها، وفي نفس الوقت امتلكوا القدرة على امتلاك خطاب صلب مناهض للنظام بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشون فيها مما شجع الكثيرين على الخروج والتظاهر، وهم ينتمون جميعاً إلى الطبقة الوسطى وذات تحصيل علمي عال. إن كل هؤلاء القادة الميدانيين إما معتقلون أو يعيشون متخفين خوف الاعتقال مما يصعب مهمتهم، لكن وكما قلنا فلما كانت هذه الانتفاضة لا تملك قيادة خاصة بها فإن من المستحيل على النظام قمعها عبر اعتقال قياداتها لأنه كل يوم تقريباً تظهر قيادات جديدة تقود التظاهرات وتحرض عليها. - أما النوع الثالث من المعارضة التي برزت خلال هذه الانتفاضة فهم النشطاء الحقوقيون ونشطاء الإنترنت الذين أبدوا قدرة رائعة ونادرة على كشف انتهاكات حقوق الإنسان وفضحها وتمرير هذه المعلومات إلى المنظمات الحقوقية الدولية مما ساعد في كشف حجم الجرائم المرتكبة من قبل قوات الأمن السورية وزاد من حجم الانتقادات من قبل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، وهو ما زاد من حجم الضغوط الدولية التي كان أبرزها صدور قرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق دولية إلى سورية للتحقيق في كل انتهاكات حقوق الإنسان التي جرت خلال الأشهر الماضية. وفي النهاية هناك دور المعارضة السورية في الخارج، فتصاعد الانتفاضة قرّبها كثيراً من الداخل بحيث تلعب الآن الدور المحوري والأساسي في إيصال صوت السوريين إلى الخارج عبر الإعلام بحكم منع تواجد الإعلام والصحافة في كل المدن السورية. هذه المعارضة أتاحت لها لقاءاتها السياسية تصاعد الضغوط الدولية على النظام السوري، كما تمكنت من شرح وجهة نظر المعارضة في الداخل بحكم اعتقال معظم قياداتها أو منعهم من السفر. * باحث زائر في جامعة جورج واشنطن