يميز مؤرخو الثورات العظمى الثورة عن التمرد. وهم يعتبرون أن التمرد عريق في القدم بينما الثورة ظاهرة حديثة يربطونها بتحول مفهوم التاريخ ذاته وبنشأة ما يمكن أن نطلق عليه فلسفات التاريخ. على هذا النحو يبدو أن في إمكاننا أن نعرف طرفي العنوان بتحديد علاقتهما بالتاريخ. فبينما يشكل التمرد نوعاً من رفض التاريخ، «رفض الغد الذي لن يكون إلا مثل اليوم»، ويقتصر على الرغبة في تحريف التاريخ عن مساره، فالثورة مشروع وارتماء في المستقبل pro-jet. حتى قبل أن تستخدم الثورة في هذا المعنى الحديث، فإن الكلمة استعملت دوماً في علاقتها بالزمن والتاريخ، إلا أنها كانت تعني في البداية عكس ما تعنيه الآن، أي أنها كانت تحيل إلى الماضي ولا تتطلع نحو المستقبل. فاللفظ الفرنسي révolution مثلاً، يحيل في أصله الى اللفظ اللاتيني revolvere الذي يعني بالأولى الرجوع القهقرى، ومنه النعت الفرنسي révolu، أي ما مضى وانقضى. في هذا السياق ينبّه بعض من يهتمون بتاريخ الكلمة إلى أن لفظ révolution لم يتخذ المعنى الذي نستخدمه فيه حالاً، أي التغيير المفاجئ العميق للبنية السياسية، إلا ابتداء من 1660. لا يعني ذلك في طبيعة الحال أن ليس هناك من يطلق لفظ الثورة في معنى أكثر اتساعاً وأقل تحديداً ليدل على مختلف أشكال التبدّل، بل ليستعمله في ميادين تتجاوز السياسة، فيتحدث عن الثورة الكوبيرنيكية والثورة النسائية والثورة الصناعية والثورة التقنية... وعلى رغم ذلك، نستطيع أن نقول إن الاستخدام الحالي يكاد يحدد مفهوم الثورة بمقابلته مع مفهوم الانتفاضة والتمرد ليضعهما في علاقة تضاد. الثورة مشروع نظري يسعى أن يجد تحققه في الواقع الفعلي، إنها نظرية تسعى نحو التطبيق، وحركة تقوم على رؤية، الثورة وعلى ايديولوجيا تعتنقها فئات اجتماعية تسعى نحو تغيير الواقع متجهة به نحو قيمة. بهذا المعنى، فالثورة إذ تقوم ضد مؤسسات فلإقامة أخرى بديلة. إنها تقوم ضد نظام بهدف إرساء نظام. أما التمرد فليس إلا محاولة لثني التاريخ عن مساره وتبديل حركته. بهذا المعنى لا يمكننا أن نقول «إن الثورة هي انتفاضة منتصرة مظفرة». فضلاً عن ذلك، فهذه العلاقة بالزمن التاريخي تجعل التمرد أقرب الى الحدث الاستثنائي الذي يفلت من كل توقع فيفاجئ حتى من يقومون به، على عكس الثورات التي، بما هي انخراط في التاريخ، تعلن عن مؤشرات حدوثها حتى قبل مجيئها. في هذا الإطار كتب ثيوران عن الثورة الروسية مشيراً إلى أنه لم يسبق أن رأينا ثورة بمثل ذلك التأكد، ومثل ذلك التوقع، فلا شيء كان في مقدوره أن يوقفها، لا أكثر الاصلاحات عمقاً، ولا أنسنة النظام، ولا حُسن النية، ولا أكبر التنازلات. فكأنما لم يكن لها فضل في الانفجار، ما دام أنها حدثت، إن صح القول، قبل أن تظهر، وأمكن وصفها في أدق تفاصيلها قبل أن تتجلى. ويكفي من أجل ذلك قراءة رواية «الممسوسون» لدوستويفسكي، أو الاطلاع على كتابات روسو في شأن الثورة الفرنسية. * كاتب مغربي