أنقرة - رويترز - قبل عام مضى، كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يخاطب الرئيس السوري بشار الاسد بقوله «أخي». الآن تجد أنقرة نفسها تحشد الجهود للضغط عليه للتنازل عن السلطة، لكنها متوجسة بشكل متزايد من ان تستدرج الى عمل عسكري. أصبحت الأزمة بين الاسد وأردوغان شخصية، وكذلك دبلوماسية، بعد ان تجاهلت سورية دعوات تركية لضبط النفس وواصلت هجماتها على المحتجين. كما شبّه اردوغان الوضع في سورية بألمانيا النازية في واحدة من أشد العبارات التي تصدر عن أي زعيم بارز في الشأن السوري. وتستضيف تركيا الآن جماعات المعارضة السورية الرئيسية وتؤوي قيادات الجيش السوري الحر المعارض على جانبها من الحدود المشتركة. وفي الاول من نيسان (ابريل)، ستستضيف اجتماعاً لمسؤولين من دول غربية والشرق الاوسط ومجموعات معنية بالشأن السوري. لسنوات طويلة ظلت أنقرة تستثمر كثيراً في علاقاتها مع سورية والأسد على أساس أن العلاقات الوثيقة يمكن أن تعزز التجارة والإصلاحات في سورية، وكذلك تضعف من اعتماد دمشق على ايران المنافس الرئيسي لتركيا في المنطقة. ويقول فيليب روبينز من جامعة أوكسفورد: «كانوا يعتقدون أنه بسبب العلاقات الخاصة التي نشأت بين اردوغان وبشار، فإن السوريين يمكن أن يسهل التأثير عليهم». وأضاف: «كان هناك فهم خاطئ تماماً استند الى افتراض انهم جعلوا الجانب الآخر في وضع يستجيب معه لدعواتهم، وهذا لم يكان الحال تماماً». لم يستجب الاسد لمكالمات هاتفية ملحة من أردوغان وزيارات من وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لوقف العنف وبدء اصلاحات سياسية عاجلة. وبحلول آب (اغسطس)، كان الكيل قد طفح بالنسبة لأنقرة. ويقول بول سالم مدير مركز كارنيجي للشرق الاوسط في بيروت: «يريدون أن يضعوا أنفسهم على الجانب الصحيح من التاريخ، متوقعين أن النظام السوري سيسقط خلال أسابيع، كما كان الحال في تونس ومصر». وتابع: «حاليا هناك وضع مخيب للآمال بالنسبة لأنقرة... ما راهنوا عليه لم يحدث. الحيلة والتهديدات التي مارسوها قابلتها حيلة وتهديدات من الجانب السوري، والآن نحن بلا شك في حالة من التأزم». ومن دون مساندة من الأممالمتحدة، أو على الاقل من جامعة الدول العربية وحلف شمال الاطلسي، فإن تركيا غير مستعدة للتحرك وحدها. لكن مع وجود حدود مشتركة بامتداد 900 كيلومتر ووجود أكثر من 16 ألف لاجئ سوري على أراضيها ومئات آخرين يصلون كل يوم لا يمكن لتركيا التنصل من المشكلة ببساطة. وأشارت تركيا الى أن أي تدفق هائل للاجئين أو وقوع مذابح على حدودها هي خطوط حمراء ستجبرها على اتخاذ اجراء، لكن المحللين يرون أنه بما أن هذا التحرك لن يصل الى حد التدخل العسكري، فلن يكون هناك الكثير من الخيارات الفعالة أمام أنقرة. وقال أردوغان الاسبوع الماضي ان اقامة منطقة «آمنة» أو «عازلة» بامتداد الحدود من الخيارات التي يجري بحثها، لكن هذا يعني دخول قوات الى سورية للسيطرة على أراض وتأمينها وهو ما لم يتمكن الجيش السوري الحر من القيام به. وقال كامر قاسم، من منظمة الابحاث الاستراتيجية الدولية، وهي منظمة أبحاث تركية: «علينا أن نفكر في احتمال وجود منطقة عازلة داخل الاراضي السورية، لكن من دون الموافقة السورية ربما يؤدي هذا الى نوع من الصراع العسكري... وقد يؤدي هذا الى تصعيد الأوضاع». وشاءت أم أبت تجد تركيا نفسها عنصراً محورياً في الجهود الدبلوماسية التي تهدف الى عزل الأسد، وستكون في مقدمة الدول في حالة القيام بأي تدخل عسكري، سواء من خلال قوة سلام عربية أو تسليح الجيش السوري الحر، وهما إجراءان من الممكن أن تبحثهما الجامعة العربية عندما تعقد قمتها في بغداد الاسبوع المقبل. لكن هناك أسباباً وجيهة جداً تجعل أنقرة متوجسة من التدخل في سورية، في ظل مساندة ايران جارة تركيا والقوة الاقليمية لسورية والتقارب بين ايران والعراق جار تركيا الآخر. وقال روبينز: «لو كان الوضع هو مواجهة بين تركيا وسورية فحسب، لكان من الممكن ان يتدخل الأتراك... لكن عندما تحسب وجود قوى اقليمية أخرى... وهناك أيضاً إسرائيل التي تقترب أكثر من قبرص واليونان... وهناك بالطبع الروس الى الشمال الذين يدعمون سورية... فجأة يصبح الوضع أكثر تعقيداً بكثير». ويرى البعض في تركيا محاولة غربية لدفع أنقرة إلى القيام بالدور الرئيسي وتحمل الجزء الاكبر من المخاطرة في سورية. وألقى رئيس البرلمان جميل جيجك من حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي إليه أردوغان باللوم على ما أسماه «المكر الغربي» في محاولة دفع تركيا الى اتخاذ اجراء ما. وقال: «الجميع موجودون على الهامش وكأنهم يشاهدون مباراة ويقولون فلنجعل تركيا تحل المسألة». على الاقل، هكذا رأى الكثير من المراقبين زيارة ديفيد بترايوس مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي. آي. إيه) لأنقرة في الاسبوع الماضي. وقال علي نيهات أوزكان، وهو محلل أمني في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية: «يبدو أن تركيا تركت لتتعامل مع الوضع وحدها». وذكر أن الاميركيين «يحاولون في الغالب تشجيع تركيا على المشاركة بدرجة اكبر. وتركيا تعيد النظر». ولم تتراجع تركيا بعد، لكن حل محل العبارات الرنانة محاولة جدية لتحقيق المزيد من التوافق حول سورية من خلال استضافة اجتماع «أصدقاء سورية» في اسطنبول في الاول من نيسان، في مسعى لجعل المسألة تتصدر الاهتمامات الدولية. وفي هذا الاجتماع، ستقوم أنقرة بدور دبلوماسي تمارسه جيداً، هو جمع دول غربية ودول الشرق الاوسط معاً، وهما منطقتان تربطهما بتركيا علاقات وثيقة. وقال روبينز: «أعتقد أن أفضل شئ يمكن عمله هو العودة للجماعة، سواء كان حلف شمال الاطلسي او التحالف الغربي... في هذه الحالة لم يكن لتركيا ان تنكشف كما حدث». ومضى يقول: «يمكن أن تكون لك وجهة نظرك الخاصة في ما يحدث. يمكن أن تبدي انزعاجاً كبيراً من فَقْد الارواح والدمار في سورية، لكن لن يمكنك التحرك الا بالتوافق مع الحلف بصفة عامة ومع الاميركيين بصفة خاصة».