تتسع دائرة الإضراب المفتوح عن الطعام بين الأسرى في السجون الإسرائيلية يوماً بعد يوم على نحو يشير إلى اتجاه واحد: الانفجار. إذ بدأ الإضراب بحالة فردية هي الأمين العام ل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» احمد سعدات قبل اشهر ضد عزله في زنزانة انفرادية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأدى إضراب سعدات إلى تحريك الشارع الفلسطيني والأسرى في السجون المختلفة في حركة تضامنية واسعة انضمت إليها القوى والفصائل والمؤسسات المختلفة، وشارك في الإضراب نحو 200 أسير، غالبيتهم من أعضاء «الشعبية». وانتهى إضراب سعدات ورفاقة بعد 21 يوماً مع التوصل إلى صفقة تبادل الأسرى بين حركة «حماس» وإسرائيل التي أعلنت إسرائيل فيها أنها تضمنت إنهاء سياسية العزل، ليتبين لاحقاً أن الادعاء لم يكن صحيحاً، وإنما هدف إلى إقناع المضربين عن الطعام بإنهاء إضرابهم. وقال رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس ل «الحياة» إن عدد الأسرى المعزولين زاد بعد صفقة التبادل وبلغ 19 أسيراً، جميعهم من أبرز قادة الحركة الأسيرة. وبعد اشهر قليلة على إضراب سعدات ورفاقه، بادر أسير آخر هو خضر عدنان (33 سنة) إلى الإعلان عن إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على الاعتقال الإداري، وهو اعتقال لفترة معينة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة اشهر قابلة للتمديد من دون مسوغ قانوني. وتلجأ السلطات الإسرائيلية إلى الاعتقال الإداري عندما تفشل في الحصول على أدلة تدين أحد المعتقلين لتقديمه إلى المحاكمة. وقانون الاعتقال الإداري هو قانون موروث منذ عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، قررت السلطات الإسرائيلية مواصلة العمل فيه من دون تغيير لمعاقبة الفلسطينيين الذين تفشل في إجبارهم على الاعتراف بالقيام بأنشطة مناهضة لسياستها. ووصل بعض حالات الاعتقال الإداري إلى أكثر من ست سنوات متواصلة، مثل الأسير أحمد قطامش والأسير السابق علي الجمال. وتواصل إضراب عدنان مدة 66 يوماً، وانتهى بتعهد السلطات الإسرائيلية عدم تجديد اعتقاله. وشجعت حال التجاوب التي شهدها الشارع الفلسطيني مع إضراب عدنان الأسيرة هناء شلبي (27 سنة) على خوض تجربتها الخاصة على خلفية مماثلة، وهي المطالبة بإلغاء الاعتقال الإداري. شلبي واليوم يدخل إضراب الأسيرة شلبي يومه السابع والثلاثين. وفجر إضرابها سلسلة إضرابات في السجون المختلفة، إذ قال فارس إن عدد الأسرى المضربين عن الطعام يصل إلى 25 أسيراً، وإن العدد في تصاعد. وبين تقرير صادر عن وزارة الأسرى أن دوافع المضربين عن الطعام انقسمت إلى ثلاثة، الأول هو الإضراب احتجاجاً على الاعتقال الإداري وتتصدرهم شلبي، والثاني هو للتضامن مع شلبي، والثالث هو للمطالبة بالاعتراف بالأسرى كأسرى حرب. واليوم يدخل إضراب بعض الأسرى يومه الخامس والعشرين. ويعد قادة الحركة الأسيرة لخطوة جماعية تلي حال الإضرابات الراهنة. وقال عميد الأسرى كريم يونس في رسالة نشرتها أمس وسائل الإعلام الفلسطينية: «نحن الأسرى مقبلون في الأشهر المقبلة على معركة الكرامة في التصدي لقوانين وإجراءات خطيرة تطبق علينا». وأضاف: «فلم يعد الوضع يحتمل، وستنفجر السجون في وجه الجلادين، ونحتاج إلى دعم ووقفة مسؤولة من جميع القوى السياسية والتنظيمات الوطنية، وإلى تحرك دولي وعربي لنزع الشرعية عن ممارسات الاحتلال أمام المحافل الدولية والقانونية». ودعا يونس إلى أوسع حركة تضامن مع الأسيرة شلبي التي وصفها ب «أسطورة نساء فلسطين»، وقال: «نعتز بامرأة فلسطينية أطلقت صرختها ضد قوانين الاحتلال الجائرة والبغيضة، وعلى هذه الصرخة أن تتحول إلى قرار سياسي لوضع حد لاستمرار تعامل المحتلين مع أسرانا وأسيراتنا كأنهم أشباح وأصفار لا قيمة وطنية وإنسانية لهم ... إنها صرخة امرأة فلسطينية تعبر عن روح التمرد على ظلام السجون وعذابات الآلاف من الأسرى الذين يتعرضون إلى شتى أنواع الانتهاكات والتعذيب والحرمان وطمس هويتهم النضالية والسياسية». ويتعرض الأسرى لممارسات إسرائيلية قاسية تجعل من حياتهم في السجن جحيماً لا يطاق. وقال فارس: «ممارسة سياسية العزل، أي عزل الأسير سنوات طويلة في زنزانة انفرادية، والقيام بحملات التفتيش منتصف اليوم في غرف الأسرى، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، تقودهم إلى التمرد والانفجار». وأضاف: «لا يمكن لأسير أن يقدم على إضراب مفتوح عن الطعام إلا بعد أن يصل إلى مرحلة لا يستطيع العيش فيها كإنسان». وتعتقل السلطات الإسرائيلية أكثر من 4600 أسير، بينهم 320 أسيراً معتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو قبل نحو عشرين عاماً. وأعلن نادي الأسير امس أن السلطات الإسرائيلية نقلت شلبي إلى مستشفى مئير، وإن حالتها خطيرة.