أجرى وفد إسرائيلي رفيع المستوى برئاسة بنحاس أفيفي، مدير عام إدارة الاتصال مع المنظمات الدولية في الخارجية الإسرائيلية سلسلة من المحادثات، في العاصمة التركمانية عشق آباد، مطلع شباط (فبراير) الماضي. وجرى استقبال الوفد الإسرائيلي في مجلس النواب التركماني، ووزارة الخارجية، ووزارة التجارة والعلاقات الاقتصادية الخارجية، ووزارة الزراعة، وفي شركة «توركمان غاز» الحكومية، إضافة إلى معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة خارجية تركمانستان. ودعا الجانبان التركماني والإسرائيلي إلى تعزيز شراكة متعددة المجالات على المدى الطويل، من أجل إقامة علاقات وثيقة بين البرلمانين ووزارتي الخارجية في كلا البلدين، وكان موضوع العلاقات التركمانية - الإيرانية واحداً من الموضوعات الذي أبدى الوفد الإسرائيلي الزائر اهتماماً كبيراً بها. وتأتي تحركات إسرائيل هذه حيال تركمانستان، وسط تصاعد الضغوط الدولية على طهران، جارة عشق آباد الجنوبية، وبعد أن كشف عن التغلغل الإسرائيلي في دول جنوب القوقاز، وذلك بتزويد الجيش الجورجي بالأسلحة والتدريب الإسرائيليين، وتجلى ذلك واضحاً في حرب القوقاز الأخيرة بين روسيا وجورجيا عام 2008، وأخيراً ما كشف عن تعاون عسكري استخباري إسرائيلي - آذربيجاني. يذكر أن تركمانستان ملتزمة تطويرَ التعاون مع دول الجوار. وعلى رغم العقوبات الدولية المفروضة على إيران، فإن تعاون تركمانستان معها في نمو مستمر، بل وتعتبر الجمهورية الإسلامية من أكبر شركاء تركمانستان التجاريين. تركمانستان الجارة الشمالية الشرقية والشريكة التجارية لإيران، يصل حجم التبادل التجاري بينها وبين طهران إلى 3 بلايين دولار في السنة، وتخطط عشق آباد وطهران لزيادته في المستقبل القريب إلى 10 بلايين دولار، والمسؤولون الحكوميون، ورجال الأعمال الإيرانيون ضيوف دائمون على عشق آباد، وبسبب التحالفات الدولية في مواجهة إيران، تهتم حالياً طهران بدعم جارتها على نحو غير مسبوق. واعتبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال اتصال هاتفي، في وقت سابق مع نظيره الترکماني كوربان كول بردي محمدوف أن الحدود الإيرانية - التركمانية هي حدود الصداقة المستدامة مضيفاً: أن التعاون الثنائي بين البلدين وكذلك تعاونهما على الصعيد الإقليمي سيشهد تطوراً ملحوظاً في المستقبل في ظل الإرادة المتينة التي تتمتع بها الدولتان. ومنذ نالت تركمانستان استقلالها، تحولت إلى منطقة متزايدة الأهمية للجمهورية الإسلامية، وفي ربيع 1992 زودت إيران تركمانستان بأطنان من الفواكه والخضار والسكر والزبدة والحليب المجفف، مقابل 100 طن من القطن، وأقيمت في البلدتين الحدوديتين كلوفت آباد وجاودان نقاط للتجارة الخارجية، وتلقت عشق آباد من طهران قروضاً ضخمة لشراء البضائع الإيرانية. وعززت الدولتان علاقتهما لاحقاً بمشروع مشترك كبير عبر بناء خط السكك الحديد عشق آباد - مشهد - سراخس - تيجان، وجرى افتتاح 320 كيلومتراً من سكك الحديد في 12 أيار (مايو) عام 1996، ويربط هذا الفرع من سكك الحديد تركمانستان بميناء بندر عباس الإيراني، وهو محور رئيس للنقل إلى شواطئ الخليج العربي. ووافق الإيرانيون على المساعدة في تسوية البنية التحتية التركمانية، وبناء المدن الجديدة والبلدات على خط النقل هذا. والتقى في مدينة سراخس التركمانية الصغيرة في أيار عام 1996 نور سلطان نازارباييف رئيس كازاخستان وهاشمي رفسنجاني رئيس إيران في حينه مع سابار مراد نيازوف رئيس تركمانستان، ووقعوا اتفاقاً في شأن البناء المشترك للسكك الحديد. ويعتبر الغاز الطبيعي منتج تركمانستان الوطني، وتجدر الإشارة إلى أن تركمانستان جذبت الاهتمام الأوروبي والأميركي إلى غازها، وبحثت عن ممولين لبناء خطوط الأنابيب، وبدأت واشنطن على الفور بوضع العصي في العجلات، على اعتبار أن الغاز التركماني يمر عبر أراضٍ إيرانية. وعلى رغم امتلاك إيران ثالث احتياطي للغاز في العالم، إلا أنها تحتاج إلى غاز تركمانستان، وتجدر الإشارة إلى أن حجم صادرات الغاز التركماني إلى إيران عبر خطين من الأنابيب يقدر بحوالى 16 مليار متر مكعب سنوياً، وتنوي الدولتان زيادة هذه الكمية مع مرور الوقت إلى 20 مليار متر مكعب. وسبق لمسؤول إيراني أن أكد أن بلاده لن تسمح لتركمانستان بتصدير الغاز إلى أوروبا عبر بحر قزوين، بسبب مخاوف بيئية، وقال رضا كسائي زادة المدير التنفيذي لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، عام 2009، رداً على مسؤولين أوروبين، دعوا إلى تأمين الغاز من تركمانستان عبر خط أنابيب نابوكو الذي بدأوا بإنشائه آنذاك، إن تركمانستان أمامها، طريقان لا ثالث لهما لتصدير الغاز إلى أوروبا، الطريق الأول يمر عبر إيران، متابعاً أن إيران مستعدة في هذا المجال لجميع أنواع التعاون مع تركمانستان، والطريق الثاني هو بحر قزوين، مضيفاً: «لن نسمح في هذا المجال بتصدير الغاز التركماني إلى أوروبا عبر مياه بحر قزوين»، ويبدو أن تركمانستان لم تستعجل الانضمام إلى هذا الخط حتى الآن على ما يبدو. كما بدأت تركمانستان منذ استقلالها بالعمل مع إيران على مكافحة المخدرات الأفغانية، حيث تحولت نقطة التقاء الحدود بين تركمانستان وإيرانوأفغانستان، إلى طريق قوافل مهربي المخدرات الرئيسة، وتدخل المخدرات إلى إيران عبر أراضي تركمانستان، ومع أن الإتجار بالمخدرات يعاقب عليه بالإعدام في إيران، إلا أن التعطش لأسعار البيع العالية يدفع أباطرة المخدرات للتغلب على الخوف من الموت والاستمرار بالتهريب. ولكنّ المخدرات ليست أسوأ شيء يأتي من أفغانستان، فإلى أحضان البلد الذي يعيش حرباً، لجأ بعض مقاتلي التنظيمات الإسلامية المتطرفة، ومن خلال التهديد الإرهابي المتزايد في أفغانستان، على آسيا الوسطى يزداد أكثر فأكثر توسع الناتو غير المرئي في المنطقة. وتشعر اليوم دول آسيا الوسطى بالقلق من التهديد بالتدخل العسكري في إيران، وعلى وجه الخصوص تركمانستان، لأنها مرتبطة إلى حد كبير بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد، فالنظام السياسي التركماني لم يتغير منذ فترة طويلة، على رغم جميع أخطائه، وهو بعيد إلى حد كبير عن سيطرة واشنطن، وبالنسبة للغرب فإن تركمانستان تمثل ضماناً لاستقرار إيران الجيو سياسي، وتركمانستان تحمي إيران من الشمال الشرقي، وعشق آباد مهتمة في تعزيز سلطة آيات الله، إذ إن سقوطها المحتمل سيؤثر في شكل غير متوقع في آسيا الوسطى، لا سيما تركمانستان، بعد فترتين من الركود السياسي الطويل.