جاءت المواجهة الأخيرة في قطاع غزة التي بادر الاحتلال الإسرائيلي الى فتحها في وقت متوقع ضمن السياسة العدوانية المتدحرجة التي ميزت السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد الحرب على غزة، من خلال شن عمليات اغتيال منظمة، واستدراج واضح للمقاومة الفلسطينية بين الفينة والأخرى. السياسة التي يتبعها الاحتلال قائمة على إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المقاومين الفلسطينيين واستسهال استهدافهم، لإعاقة أي عمل منظم تعمل المقاومة على ترسيخه في أي مواجهة محتملة. يعتمد الاحتلال في كافة الأحداث الأخيرة على اتباع أسلوب المباغتة واختيار الوقت المناسب له سياسياً وعسكريا في توجيه الأحداث الميدانية، وخلط الأوراق فلسطينياً وتحقيق الأهداف الإسرائيلية المتمثلة بإيقاع أكبر قدر من الخسائر وتشتيت الساحة الداخلية. الاغتيال المباغت للأمين العام للجان المقاومة الشعبية، أسلوب جديد تتبعه اسرائيل، بحيث يتبع عمليات الاغتيال رد معين من المقاومة يحدد بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، ثم تتدخل بعض الجهات لفرض تهدئة تكون بمحصلتها إعادة التهدئة وإيقاف إطلاق الصواريخ وبدء الاحتلال بالتجهيز للضربة التي تليها. الجرائم التي يرتكبها الاحتلال تواجه بردود فعل فلسطينية تنحصر في إطلاق عدد محدود من الصواريخ تتسبب في إثارة الرعب والقلق والشلل لبعض المدن الإسرائيلية الجنوبية، من دون إيقاع خسائر بشرية مؤلمة يمكن أن تمثل إحراجاً لإسرائيل. الجبهة الداخلية هي نقطة الضعف الاستراتيجية في اسرائيل وهو ما يظهر من الإجراءات التي تمت في المواجهة الأخيرة حيث دخل ما يزيد عن مليون ونصف مليون إسرائيلي إلى الملاجئ ويُعد ذلك أحد أهم نقاط القوة لدى المقاومة الفلسطينية في ظل تغول الاحتلال على الجبهة الداخلية الفلسطينية من خلال استهداف المدنيين، إلا أن الجبهة الداخلية الفلسطينية متينة داخلياً وتستطيع الصمود كثيراً وتشارك في أي مواجهة مقبلة تساند فيها المقاومة، بل تضغط عليها في أوقات كثيرة لمواصلة المقاومة ومواجهة الاحتلال مهما كان الثمن، وهو ما حدث فعلاً خلال الحرب على غزة. الضغط الذي تمارسه الجبهة الداخلية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي هو الضغط نفسه الذي مورس في المواجهة الأخيرة على كتائب القسام للدخول بشكل معلن في المواجهة مع الاحتلال، وهو يأتي ترسيخاً لمبدأ وحدة المقاومة وتغيير معادلة المواجهة . ما يميز هذه المواجهة عن سابقاتها، أن المقاومة أعلنت بوضوح أنها لن تدخل بتهدئة إلا بشروطها هي، وأنها ستواصل المواجهة لفترة أطول أمام الجبهة الإسرائيلية المنهكة والتي لم تعد تحتمل المزيد.