أنَقْرٌ على الطبل أم على الأحزان والرغبة في الانعتاق من نساء ألف ليلة وليلة الساعيات إلى إرضاء السلطان؟ أم لعله إيقاع غاضب متمرد، يحلق في فضاءات واسعة حالماً بعالم ينتمي إليه، يروي له قصة وطن احترف أهله الترحال منذ ما يزيد على النصف قرن، ليبحثوا عنه في الشتات بطرقهم الخاصة؟ أفكار لا يسعك الهروب منها فيما تستمع إلى عزف الشابة الفلسطينية سيمونة عبدالله، يشدك اندماجها المذهل وغضبها المفرغ على طبلة تقرعها بأناملها الناعمة. تصف عبدالله (32 سنة) نفسها بأنها أول عازفة إيقاع في العالم العربي، تمكنت من شق طريقها بصعوبة بالغة، لكنها في النهاية وصلت الى هدفها، اذ تؤمن بأن ما يكسبه الفرد في حياته يوازي حجم أحلامه وقناعته بتحقيقها، لذا فهي ترى أن «لا مستحيل» أمام رغبة حقيقية في شيء والإصرار عليه. الحديث مع عبدالله لا بد أن يتطرق إلى وضع المرأة العربية المبدعة، لا سيما إذا كان في مجال مهمّش في قاموس الأعمال المؤطرة بعادات مجتمعاتنا وتقاليدها، كالعزف الإيقاعي، وهي امرأة عشقت الطبل منذ كانت ابنة 15 سنة. تقول ل «الحياة» إنها نشأت في بيت فلسطيني تقليدي، ملتزم بالعادات الموروثة إلى درجة كبيرة، وأن عزفها على الطبل شكل إحراجاً كبيراً لها وسط العائلة، التي اعتقدت في البداية انها هواية ستقبل عليها ابنتها لوقت معين وتنساها بعد ذلك، كون «الطبل ليس للنساء». لكن عبدالله استمرت في شغفها الموسيقي غير المألوف في بيئتها، بل ازدادت تعلقاً بآلتها المفضلة، وكانت تتمرن لساعات طويلة على ألحان أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم، حتى علّمت نفسها بنفسها. تعتبر عبدالله أن «للإيقاع روحاً تجعل العالم يتوقف، ثم يندمج هبوطه وصعوده، خصوصاً حين تكون العازفة امرأة... فالطاقة المنبعثة من العازفة تختلف عن تلك التي يبثها العازف». ولدت سيمونة عبدالله، التي تجيد أيضاً العزف على الأورغ، في ألمانيا، وتربّت في الدانمارك التي انتقلت إليها مع عائلتها العام 1986، وما زالت مقيمة فيها. لم تفقد لغتها الأم، بل تجيدها كأنها لم تنشأ خارج وطنها، الأمر الذي تعتز به كثيراً، وإن تجاوزت بعض المطبات، عند الحاجة، باستعارة كلمات بالإنكليزية، لكنها سرعان ما تعود إلى العربية، حالما تستقيم فكرتها. صعوبات كثيرة واجهتها سيمونة، الفتاة الأصغر سناً بين شقيقات وأشقاء أربعة، خصوصاً مع والدتها التي لم تحضر لها حفلة واحدة حتى الآن، بل تطلب منها مراراً وتكراراً التوقف عن «الضرب على الطبل»، لأنه في اعتقادها، «يجلب العار»، إذ «لا فتيات محترمات ينقرن على الطبل»، وهي ترى في ذلك إساءة للعائلة وسمعتها. أما علاقة الفنانة الشابة مع والدها، فعادت إلى طبيعتها قبل أربع سنوات، إذ أيقن أنه لا مفر من تقبّل حبّ ابنته الجدّي للطبل، بل تشعر الآن أنه يفتخر بها، خصوصاً حين يحضر إحدى حفلاتها، على رغم أنه لا يجاهر بذلك كثيراً، كما تقول. وبقية أفراد العائلة ينقسمون فريقين، فشقيقها وشقيقتها اللذان يكبرانها سناً، يشجعانها دائماً، طالبين منها المواصلة، فيما يلتزم الآخرون الصمت رفضاً. تقول سيمونة: «أنا لا أعزف لمجرد العزف... انا بحكي للعالم من خلال الايقاعات عن نفسي كفلسطينية وكامرأة عربية». وهذا ما لا يحتاج كثير إيضاح لمن يشاهدها وهي تعزف الإيقاع بكل حماسة. وعلى رغم ما تقدمه من إبداع واعتزازها بما تفعل، كانت سيمونة في البداية تتجنب العزف في لقاءات وتجمعات يحضرها مهاجرون عرب، خوفاً من أن تسبب الحزن لعائلتها. بدأت بالعزف في الحفلات الدنماركية، وكانت لها مشاركات موسيقية في فرنسا وكرواتيا وبريطانيا وهولندا ودول إفريقيا ومصر والدول الإسكندنافية، سواء بعزف منفرد أو مع فنانين آخرين. كما رافقت، على الطبل، المطربة البريطانية من أصل عربي ناتاشا أطلس. وهي مقبلة على تجربتها الثانية في تعليم الإيقاع الشرقي في أفريقيا. تنتقد سيمونة أوضاع المرأة العربية في مجتمعاتنا، والأغلال التي تعوق إبداعها وتطورها، وترى أن هناك الكثير لتفعله بنات جنسها إلى جانب الزواج وتربية الأولاد وإرضاء... وهذه رسالة تحاول إيصالها من طريق الموسيقى. وللشابة الفلسطينية، المصرّة على متابعة مشوار فني اختارته لنفسها، استضافة في البيت الدنماركي في رام الله، التي تزورها للمرة الأولى كعازفة، وهي ترى أنها فرصة جميلة لتقول لشعبها: «أنا شابة منكم، حاولت ونجحت، وأقدم فني لأسعدكم».