إذا كان فيلم نوري بلجي جيلان الجديد «كان ياما كان في الأناضول» هو الفيلم الذي كان منتظراً اكثر من اي فيلم تركيّ آخر بالنسبة الى جمهور مهرجان السينما التركية المقام منذ ايام في بيروت، فإن «النجم» الحقيقي للمهرجان انما كان المخرج التركي الآخر فاتح آكين، الذي، على عكس جيلان، يعيش خارج تركيا حيث يعمل في المانيا ويحقق افلامه فيها او انطلاقاً منها. لآكين اليوم، كما لجيلان سمعة عالمية كبيرة تضع كلاً منهما في مكانة طليعية في السينما المعاصرة مع فارق اساس هو ان جيلان لم يحتج الى زمن طويل قبل ان يبلغ هذه المكانة... فيما اضطر آكين للاشتغال طويلاً، منفياً في المانيا قبل ان يثبت مكانته. ومهما يكن من أمر، فإن من المعروف في الحياة المهرجانية السينمائية على الصعيد العالمي، ومنذ سنوات عدة، انه ما إن ينجز واحد من هذين فيلماً جديداً حتى يتدافع مسؤولو المهرجانات لتلقف فيلمه. والحال ان هذه الوضعية كان لا بد لها في نهاية الأمر من ان تنعكس على مكانة السينما التركية المعاصرة في العالم. وما المهرجان البيروتي الذي يختتم عروضه الأحد المقبل سوى برهان اضافي على هذا الواقع. طبعاً لا يمكن القول هنا ان «كلّ» السينما التركية لها هذه المكانة، ولا ان المهرجان المقام في بيروت سيعطي فكرة شاملة عن سينما لها تاريخ كبير وواقع جماهيري كبير في بلادها. ولكن في المقابل من خلال الأفلام المعروضة يمكن محبّي السينما ان يأخذوا فكرة جيدة ليس فقط عن السينما في تركيا بل كذلك – وفي شكل خاص – عن شرائح من الحياة الاجتماعية في هذا البلد... طالما اننا نعرف ان السينما التركية في شكل عام تعتبر – كحال زميلتها الإيرانية – سينما شديدة الاقتراب من الرصد الاجتماعي، اضافة الى تمكن مبدعيها فنياً وجمالياً وتقنياً... انما من دون ان يسهى عن بالنا ان مقدار الحرية التي يتمتع بها السينمائي التركي تفوق بجرعات مضاعفة تلك المتاحة للسينمائي الإيراني... إن لم يكن منفياً! شاهد الجمهور البيروتي، اذاً، طوال الأيام الفائتة ويشاهد للأيام الثلاثة المتبقية، عدداً من الأفلام التي تخرجه تماماً من سياق السينما التجارية، كما تخرجه – فنياً – من سياق المسلسلات التلفزيونية التركية على رغم جودة هذه وتميّزها في شكل عام. فمن تحفة جيلان التي افتتحت المهرجان، الى افلام تحمل تواقيع شبان او مخضرمين («شعر» لطيفون بيرسلي اوغلو، او «كوزموس» لريحا ارديم و «زفير» لبيلما باس او «بلوغ» لسيرين يوجي... على سبيل المثال)... تتابعت السينما التركية على شاشة جمعية «متروبوليس» البيروتية، قوية نزيهة ومدهشة... ومع هذا وكما اشرنا اول هذا الكلام، كانت النجومية لفاتح آكين الذي عرض له المهرجان اربعة من اجمل افلامه هي: «في شهر ايلول» المنتج عام 2000 و «سولينو» المنتج عام 2002، و «هاد أون»، وهو اشهر افلامه منذ عروضه والجوائز التي حققها عام 2004... هذا اضافة الى فيلمه التسجيلي البديع عن الموسيقى والغناء في اسطنبول وعنوانه «عبور الجسر» وكان عرض عالمياً للمرة الأولى عام 2005 في مهرجان «كان» حيث نال اعجاباً شاملاً.