ربما تسمع كثيراً، شكاوى بعض الفتيات السعوديات من «خصوصية المجتمع»، ومن بعض العادات التي تجعل تحركاتهن وامتهانهن لبعض الحرف أمراً صعباً، بل إن بعض سيدات الأعمال يشتكين مما يواجهن في بعض الإدارات الحكومية. ليس إيراد ذلك في صدد لومهن، أو التقليل مما يواجهنه، لكن بعيداً من تلك العوائق، تنظر الفتاة السعودية رحمة المالكي إلى الواقع بطريقة مختلفة، لم تعرف اليأس ولم تفكر في الاستسلام له، بل فضلت الانطلاق إلى عالم الإبداع والمغامرة واكتشاف الجديد، لم تمنعها «احتياجاتها الخاصة» من إكمال مشوارها، وواصلت السير إلى الإمام من دون الحاجة للالتفات إلى الخلف أو التفكير في الماضي، أو حتى النظر إلى العوائق التي تواجهها بنات جنسها في السعودية. «أنا في مقتبل عمري... ولن أضعف مهما كانت الظروف»، بهذه الكلمات تعبر المالكي عن قناعاتها وإيمانها بأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. ولدت «رحمة» بين أحضان والديها، وعاشت طفولتها السعيدة وهي تحلم بقطف أزهار المستقبل، وفي يوم من الأيام، بينما كانت في رحلة مع أسرتها، شاءت الأقدار بأن تعترضهم سيارة في الطريق ليقعوا في حادثة مرورية أصيبت رحمة بسببها بإعاقة مستديمة وأصبحت أسيرة المقعد المتحرك. انتقلت رحمة إلى مدينة الأمير سلطان الإنسانية ومكثت فترة طويلة لتلقي العلاج الطبي والتأهيلي «بكل رضا وسرور»، لم تخشَ ما أصابها، وفي أثناء إقامتها في مدينة الأمير سلطان الإنسانية، الطويلة، بدأت في التفكير ملياً والتخطيط لمستقبلها بإصرار على ألا تنتهي عند هذا الحد، قررت إكمال دراستها والتطوير من قدراتها ومهاراتها، بدأت في الالتحاق بمعهد عالٍ للحاسب الآلي ودراسة تخصص الشبكات، في محاولة لأن تكون مدربة في المعاهد التي تُمنح دورات شهرية وأسبوعية، فعلت ذلك وهي تتلقى العلاج. تقول رحمة، التي حضرت أخيراً مؤتمر الإعاقة الدولي الثالث والمنعقد في الرياض: «بعد حضوري للمؤتمر ورؤيتي للكم الهائل من ذوي الاحتياجات الخاصة باختلاف درجاتهم، شعرت أن «المعوق» يمتلك طاقة كامنة للعطاء لابد من استغلالها، وإذا لم يتم ذلك سيصيبه الإحباط والتراجع، ويمكن أن يتحول إلى عنصر غير فعال في المجتمع، وأنا أؤمن بأن الله عندما يأخذ شيئاً يعوضه بشيء آخر، ربما لا يدركه الكثير من الأسوياء حركياً». لم تنكر رحمة أنها دخلت في مرحلة إحباط نتيجة الحادثة، لكنها وصفتها بالطبيعية والموقتة ويمكن أن يمر بها أي شخص وسرعان ما زالت. ملكات أخرى لم تستطع رحمة إخفاءها، وهي ملكاتها الفنية، إذ أسست في منزلها معملاً صغيراً للأعمال الفنية والتشكيلية، وصناعة لوحات من خامة السيراميك، ودمج الألوان لتظهر بصورة جديدة، تقول: «إنها تحتفظ فيها بأعمالها وتقوم بتجميعها، وتنتظر الفرصة في أن يتبنى أعمالها أحد من سيدات أو رجال الأعمال». لم تتراجع رحمة عن طموحها الكبير، وهو الاتجاه إلى مجال الإعلام والتدرب على فن الإلقاء لتصبح مذيعة تلفزيونية، بدأت فعلاً بالتدرب وذلك بدعم وتشجيع من صديقاتها وأسرتها التي لم تمانع، وفي الوقت ذاته الذي تتدرب فيه على فن الإلقاء، تدرس الآن تبني برنامج لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، «كي ترسم مشوار حياتهم بدلاً من أن يعيشوا طفولة تعيسة بسبب الإعاقة وصراعها، وبالتالي يصعب اندماجهم في المجتمع». وتضيف المالكي: إنها لا تحبذ «المعوق المنطوي لأنه يقتل نفسه بنفسه»، وأشارت إلى أن كل إنسان لديه نقط ضعف وقوة. طموح وعمل المالكي لا يمنعها من هواياتها، وهي المشاركة في المنتديات، والقراءة، لكنها لا تزال ترى أن نظرة المجتمع تجاه «المعوق» ناقصة، وتؤكد برأيها أن كثراً في مجتمعنا ينظرون إلى ذوي الاحتياجات الخاصة نظرة شفقة، ويظنون في «لا وعيهم» أنه إنسان غير منتج وعاجز، متجاهلين المشاهير الذين أثبتوا جدارتهم وخرجوا إلى العالم عبر مخترعاتهم، وتهدف هي إلى تحقيق ذلك.