ليس السجال الدائر حالياً في المغرب بسبب مهرجان «موازين» فنياً بل سياسي. ففيما يصمت الفنانون، ينبري السياسيون للتحدث عن الموضوع بوجهات نظر مختلفة. وسرعان ما انتقل النقاش الدائر حول توقيت المهرجان وما يُصرف فيه من أموال الى الصحافة المغربية وصار مادة دسمة للتراشق بين الفاعلين السياسيين. فقد دعا الوزير الحبيب الشوباني (من حزب العدالة الإسلامي) المكلف التنسيق مع البرلمان، إلى وقف المهرجان نظراً إلى «استغلاله موارد الدولة وتلفزيونها بالمجان». وقال إنّ على المهرجان «إذا شاء الاستمرار أن يعتمد على موارد مالية خاصة، وأن يدفع حقوق البث التلفزيوني المباشر، وألا توضع إمكانات الدولة في مجال التنظيم والأمن رهن إشارته». وجاء الجواب سريعاً وغاضباً من المدير الفني للمهرجان عزيز الداكي الذي اتهم الوزير ب «الشعبوية والغوغائية»، قائلاً: «من الخطأ القول إن مهرجان موازين يموّل رسمياً، في حين أن 6 في المئة فقط من موازنته تأتي من مساهمات رسمية». وأدلى صحافيون بتصريحات معارضة للمهرجان الذي يبدو أن عزلته تتفاقم وتتوسع. ودخلت «جمعية حقوق المشاهد» على الخطّ، وأصدرت بياناً دعت فيه إلى فتح تحقيق في ما قاله الشوباني. ورأت أن الحكومة باختصاصاتها وسلطتها التي نص عليها الدستور الجديد، «مطالبة بوقف أي استغلال غير مشروع للإعلام العمومي، خصوصاً إذا كان من جانب مهرجان الدولة». وأكدت أنها «ستتابع عن كثب ما ستتّخذه في شأن مضمون تصريحات وزير التنسيق مع البرلمان والمجتمع المدني في علاقته بالدورة المقبلة للمهرجان المذكور، انطلاقاً مما يخوله الدستور للمجتمع المدني من حيث مراقبة السياسات العمومية للحكومة كإحدى الركائز الدستورية الأساسية للدولة المغربية». وامتدت النيران إلى مهرجانات أخرى تموّل هي الأخرى من أموال عامة، إذ احتجّ أحد برلمانيي الحزب الحاكم من تطوان على مهرجان «أصوات نسائية» ووصفه بأقدح النعوت. آراء ومواقف «الحياة» استقت آراء بعض الفاعلين في المجتمع المغربي التي اختلفت بين مؤيّد ومعارض. فالفنانة لطيفة أحرار، صاحبة مسرحية «كفرناعوم أوتوسراط» الشهيرة، تتّفق مع إدارة «مهرجان موازين»، معتبرة «أن من حقّ المواطن الاستفادة من الثقافة تماماً كما من حقه الاستفادة من أمور أساسية في الحياة». ورأت أن «الثقافة متعة وتربية، والمهرجان يقرّب فنانين محبوبين من الجمهور، ويقدّم الكثير من فرص العمل للشباب». واقترحت تنويع الأصوات مقابل الاكتفاء بفنان واحد من كلّ دولة، كما طالبت بزيادة أجور الفنان المغربي. ودعت إلى مناقشة المهرجان من زاوية فنية لا من زوايا أخرى. في المقابل، لا يوافق الأستاذ الجامعي والمترجم والباحث اللساني عبدالمجيد جحفة، على مهرجان موازين، لأنّه «مهرجان غير ثقافي، الغرض منه سياسي واضح ولا ينبثق من طلب ثقافي حقيقي خلافاً لما يروّجه أصحابه». وأضاف: «تمويل هذا المهرجان خيالي»، متسائلاً: «لماذا لا يستعمل في مشاريع أخرى أكثر فائدة للمعوزين؟». ويستطرد أن «وجهة نظره ليست بالضرورة متطابقة مع وجهة نظر الإسلاميين، بل هي رؤية مثقف يراقب ويتوجّس وينتقد، ليخلص إلى أن المجتمع ينبغي أن يستفيق ليقف أيضاً في وجه آلة الإسلاميين التي تريد أن تصبح طقس مرور لكل شيء في المجتمع». وكان مهرجان موازين استضاف في عام 2010 المغني البريطاني إلتون جون، والمغنية الكولومبية شاكيرا في 2011، ويحكى عن استضافة ماريا كاري ونانسي عجرم في الصيف المقبل. وطغى الحديث عن الأجور الخيالية التي يحصل عليها الفنانون الأجانب لقاء ساعات قليلة من الغناء، بينما لا ينال الفنانون المغاربة إلا أجوراً هزيلة. وصرّحت الفنانة الشعبية نجاة اعتابو أنها لم تتوصّل إلى اتفاق مع إدارة المهرجان في شأن مشاركتها بسبب هزالة الأجر. في أي حال، يبدو أن فصول قصة «موازين» ستتوالى، وأن النقاش سيستمر تحت غطاء فني، لكنه في العمق صراع بين فرقاء سياسيين.