مشاعر الحزن التي ألهبتها فترات البعد عن فلذات أكبادهن الصغار اللواتي حُرمن من رؤيتهم واحتضانهم، دفعتهن إلى إطلاق صرخات الاحتجاج والاستغاثة الممزوجة بالدموع. وعلى رغم حصولهن على حكم قضائي برؤية أطفالهن واحتضانهم، فإنهن يحرمن من تلك اللحظات السامية، ويستخدم أطفالهن كوسيلة للضغط والابتزاز عليهن للتنازل عن أي حقوق لهن، وذلك «من أجل الخلاص». لعبت جمعية «المعهد الدولي لتضامن النساء» في عمان، دور الركن الهادئ لهن لبثّ همومهن والصراخ، علّهن يجدن نصيراً أو حتى مستمعاً وداعماً لقضيتهن التي انفطرت من لوعة الشوق والرغبة باحتضان أبناء لهن بعضهم لم يتجاوز السنة من العمر. الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة ومسؤولة المعهد الدولي لتضامن النساء، أسمى خضر، وصفت استغاثات هؤلاء النساء ب «الصرخة»، مشيرة إلى أن عرض معاناة هؤلاء الأمهات لواقعهن وحياتهن «استصراخ للقيم والأديان السماوية كافة والقانون لحماية حقوق الإنسان». أمٌّ، بدا على محياها البراءة والإنهاك والدموع المحبوسة بملامحها الطفولية التي تدور في فلك الأحزان والبحث عن ملامسة أيدي ابنها التي لم تنجح برؤيته منذ سنوات. سيدة أخرى، فقدت أربع بنات، أكبرهن عمرها خمس سنوات وأصغرهن بعمر العام، ولم تتمكن من مشاهدتهن منذ حوالى عام، عايشت المرارة والحسرة عليهن، تقول: «علاقتي بزوجي كانت رائعة، فقد أخذته عن معرفة على رغم أنه يكبرني بعشرين عاماً، لكن تدخل أهله بحياتنا ومكان سكننا أدى بالعلاقة إلى التردي في شكل كبير، وكان الطلاق الوسيلة الوحيدة». وأخذت الوالدة حكم مشاهدة، ولكن في كل مرّة يقترب فيها موعد تنفيذ الحكم، يلجأ الأب إلى الاستئناف، وتعود الأمور لتدور حول النقطة نفسها، من دون أن تستطيع الأم مشاهدة بناتها، تحت ذرائع مختلفة منها قضية «ذم وتحقير»، على كلمات تلفّظت بها في ظلّ ثورات غضب عارم اجتاحتها خلال المحاكمات. حقّق الأردن تقدماً طفيفاً في حقوق المرأة خلال السنوات الأخيرة، رفع تصنيفه إلى المركز السادس على مستوى 18 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفق دراسة «حقوق المرأة في الشرق الوسط وشمال أفريقيا - 2010»، التي أطلقتها مؤسسة «فريدوم هاوس» في عمان، إلا أن الكثير من الناشطين في مجال حقوق المرأة في الأردن يجمعون على ضرورة أن يكون عام 2012 هو عام الربيع الأردني في مجال حقوق المرأة، عبر تغيير وتعديل القوانين التي تنضوي على تمييز وعنف ضد المرأة، ووضع آليات لتنفيذ التشريعات بصورة سليمة. قوانين محرجة ومجحفة والمرأة الأردنية تعاني، وفق رئيسة اتحاد المرأة الأردني آمنة الزعبي، من 12 قانوناً تميّز ضدها، ما يؤكد ضرورة «دسترة» المساواة، من خلال وضع نص صريح في الدستور يؤكد المساواة بين الرجل والمرأة. ومن أبرز هذه القوانين، قانون الأحوال الشخصية الذي يبيح زواج القاصرات، واستئصال أرحام المعوّقات عقلياً، وقانون الجنسية الذي يحرم أبناء الأردنيات المتزوجات بأجانب من الجنسية، وقانون العمل وقانون التقاعد المدني. وتؤكد الناشطة في حقوق المرأة إيميلي نفّاع المطالبة بتعديل القوانين الاثني عشر التي تحتوي على بنود تميز بين الرجل والمرأة، كقانون الجنسية والعمل والانتخاب والأحوال الشخصية، والجوازات، وغيرها والتي تسبّب حرجاً كبيراً للمرأة. وحول زواج القاصرات، تبيّن الناشطة في مجال حقوق المرأة المحامية فاطمة الدباس أن قانون الأحوال الشخصية الجديد، اشترط أن يخرج الإذن بالسماح للقاصر بالزواج، عن لجنة قضاة شرعيين، وليس عن قاضٍ واحد فقط، مع طلب موافقة قاضي القضاة شخصياً على قرار لجنة القضاة، والإبقاء على نص المادة الذي يسمح بزواج من هم في سن الخامسة عشرة. وتضيف الدباس أن نسب زواج القاصرات بعد نفاذ القانون الجديد، لا تزال متقاربة، ووصلت العام الماضي إلى 19 في المئة للفتيات تحت سن الثامنة عشرة، و6 في المئة لعمر 15 عاماً، وهو ما يتقارب مع نسبة العام الذي سبقه. وتشير الدباس إلى أهمية إعطاء ولاية متساوية للرجل والمرأة، لافتة إلى أن لا يمكن النساء متابعة أمور حياتية بسيطة لأبنائهن، على غرار نقلهم من مدرسة إلى أخرى، أو السفر إلا بموافقة الأب، وتتفاقم المشكلة في حال طلاق الأبوين أو سفر الأب خارج البلاد. أما في مجال استئصال أرحام النساء المعوقات عقلياً، بحجة عدم قدرتهن على الاعتناء بأنفسهن، فتؤكد أن هذا الأمر يشكل «انتهاكاً جسيماً» لجسد الفتيات ذوات الإعاقة، محمّلة مسؤوليته للدولة، لعدم توفيرها مراكز تدريب وكادر تدريبي خاص بتدريب الفتيات المعوّقات على وسائل النظافة العامة، والاهتمام بالذات، حتى في حالات الإعاقة الشديدة.