جمعتهم هناك قلة الحيلة والمال في زمن تهب فيه رياح غلاء الأسعار التي تتصف ب «الديمومة»، وبمختلف أعمارهم وحاجاتهم، تجدهم يصفون مركباتهم جنباً إلى جنب ويصرخون « مكة .. مكة .. مكة ..»، إنه عمل حر وكلٌّ يحوز نصيبه من الرزق بارتفاع صوته، إنهم سائقو السيارات الخاصة (الكدادة). يقطعون مئات الكيلو مترات في يومٍ واحد سواء كان ذلك داخل أرجاء المدينة، أو برفقة مسافرين إلى مدن أخرى، ولا يكلون من الطريق أبداً رغم خطورته، ففيه رزقهم بعد الله . باتجاه الجنوب من المحافظة الساحلية، يربض «موقف مكة» في منطقة البلد، وبه جلبة أحدثتها أصوات محركات السيارات مختلطةً مع صرخات «الكدادة»: «المدينة... مكة ...الطايف...الرياض». إنها وسيلتهم لتعريف أنفسهم ووجهتهم لأي زبون، فلا لبس موحداً يميزهم عن غيرهم أو شعار يدل عليهم. يبدو سعيد الشهراني بهيئة جيدة، ويمتلك سيارة حديثة، كان وجود سيارته الحديثة بين سيارات «الكدادة» القديمة أمراً يبعث على التساؤل، ولكن الحال التي يمر فيها هي مجرد «زنقة وقتية» -على حد وصفه-. سألناه عن عمله في الموقف، فأجاب: «أنا أمر بزنقة مادية هذا الشهر وأحببت أن أوفر القليل من المال»، وأردف «لم أكن لآتي إلى هنا وأعمل لو لم نكن في فترة إجازة». أبو ناصر ( 45 عاماً) يعمل في النقل الخصوصي أكثر من خمس سنوات وهو يعول ثلاثة أطفال وفتاة، يقول: «عادة أجلب معي أحد أطفالي لكي أخفف على زوجتي في المنزل، وهم أيضاً يفضلون المجيء، كما أن المتنقلين يشعرون بالارتياح للأطفال لذلك يتوجهون إلى سيارتي». وأضاف: «عندما يرى المسافر أن بصحبتك طفلاً، يعلم أنك شخص جاد وتعول أسرة، لذلك لا تشكل أي خطر عليه، فالبعض يعتقد أننا نريد سرقته أو قد نتسبب في إيذائه». فاهد الهذلي (53 عاماً) يبدو عليه الانزعاج الشديد من نظام «ساهر» إذ يرى أن هذا النظام وضع ل «قطع الرزق»، ويقول «في السابق كنت أتنقل بين جدة و مكة في اليوم الواحد ما يقارب سبع أو ثماني مرات، أما الآن فلا أكاد أكمل أربعة مشاوير إلى مكة، وعند سؤالنا عن السبب، أفاد بصوته الشحيب: «كاميرات ساهر تتربص بنا في كل مكان، إنها مقلقة جداً للكدادة لأن «لقطتها» الواحدة تأخذ منا كل ما نجمعه في يومٍ كامل». وأضاف «صحيح أني أقود بسرعة في كثير من الأحيان، ولكنني أعرف متى أفعل ذلك لأن قيادتي جيدة». ويتفق سعيد الغامدي (38 عاماً) مع فاهد الهذلي، فهو يرى أن هناك «تضييقاً» يمارس ضدهم من قبل رجال المرور والأنظمة المرورية، ويطالب بالتساهل معهم بحجة أنهم سعوديون «نحن أبناء هذا البلد ونعمل أمام الجميع، ونريد من الجهات المعنية أن تتساهل معنا، وتقدر ظروفنا، لا سيما في أوقات المواسم». إبراهيم حسني الذي يرتاد موقف جدة عند رغبته السفر إلى مكةالمكرمة يؤكد أن هناك فروقات كبيرة بين «الكدادين»، ويقول: «يجب الحرص عند اختيار أحدهم للسفر معه، من ناحيتي ألاحظ الشخص لفترة معينة، وأنظر إلى هيئته وكذلك إلى أسلوبه في الحديث معي، للتأكد من وضع الشخص الذي سأسافر معه». ويروي إبراهيم قصته مع أحد الكدادين، حيث يقول «سبق لي أن ركبت مع أحدهم، وكان يقود المركبة بسرعة جنونية، حتى طلبت منه أن يقود ببطء، فرفض ذلك بحجة أنه يريد العودة بسرعة واغتنام الوقت، ثم عرضت عليه ضعف ما سأدفع له لكي يخفف من السرعة فوافق». وينوه إبراهيم بأن الأصدقاء يتضح معدنهم في أوقات السفر، «لذلك عليك اختيار الشخص الذي ستسافر معه بدقة وحرص لا سيما وأنك لا تعرفه أبداً» من جانبه، أكد المتحدث الرسمي في إدارة مرور محافظة جدة المقدم زيد الحمزي أن دوريات المرور تركز على هذه المواقف لمتابعة من يقوم بالنقل بسيارة خاصة، ويتم تطبيق النظام بحق هؤلاء المخالفين. وأفاد الحمزي أن إحصاء المخالفات على تحميل الركاب لعام 1432 كان 16454 مخالفة مرورية تم رصدها، «وهناك حملات مكثفة تقوم بها دوريات المرور تجاه هذا الأمر».