أفرزت نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية التي أجريت في الثاني من آذار (مارس) الجاري مؤشرات تستطيع أن تؤثر علي ملفات داخلية وخارجية ساخنة تمر بها إيران. فنسبة المشاركة المرتفعة جاءت منسجمة مع توقعات القيادة الإيرانية التي أرادتها استفتاء جديداً علي شرعية النظام السياسي، في الوقت الذي كانت تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى الدول الغربية، والولايات المتحدة تحديداً، بعدم جدوي ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية علي سياسات إيران وتحديداً علي برنامجها النووي، أو السعي إلى التفكير بتغيير النظام السياسي في طهران. وتعتقد المصادر أن هذه النتائج ستعطي المفاوض الإيراني أمام المجموعة السداسية الغربية خلال نيسان (أبريل) المقبل لمناقشة برنامج إيران النووي، ورقة إضافية من اجل ممارسة المزيد من المناورة السياسية لنزع الاعتراف من هذه المجموعة بأحقية إيران امتلاك الدورة الكاملة للتقنية النووية، بما في ذالك تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي المستخدم للأغراض السلمية. داخلياً، جاءت النتائج منسجمة مع الدوافع التي أدت إلى تشكيل 17 قائمة انتخابية ينتمي معظمها إلى التيار الأصولي المحافظ، حيث تشكلت هذه القوائم استناداً إلى موقف المرشحين والتجمعات السياسية من سياسة الرئيس محمود احمدي نجاد، ومن الحكومة وبرامجها، ومن الفريق المحيط بالرئيس وتحديداً من رئيس المكتب الرئاسي اسفنديار رحيم مشائي الذي تشير ألأوساط إلى تزعمه «تيار الانحراف». وثمة اعتقاد، أن بوصلة الناخب الإيراني كانت باتجاهين، الأول تجاه مرشحين جدد يستطيعون تحمل المسؤولية، لأنه لم يكن مقتنعاً بمواقف البرلمان الحالي الذي كان متهاوناً إلى حد بعيد مع برامج الحكومة التي لم تستطع معالجة المشاكل المتعددة التي تمر بها البلاد، كما أنها أخفقت في تحقيق الوعود التي أعطتها للمواطنين الإيرانيين، والثاني باتجاه الأسماء المشتركة التي وردت في القوائم المتعددة وهذا ما انعكس في شكل واضح علي الأسماء الفائزة في الجولة الأولى في العاصمة طهران، حيث لم يستطيع أي من القوائم المشتركة في هذه الانتخابات تحقيق فوز كاسح علي حساب القوائم الأخري، فلم ينجح سوى خمسة مرشحين في الجولة الأولى، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي فشل التيار الأصولي في التفاهم مع جميع الشخصيات والتيارات للتقدم بقائمة واحدة، ويدل أيضاً علي اختلاف وجهات النظر داخل هذا التيار حيال الحكومة، وحيال برامجها، وحيال الرئيس احمدي نجاد، كما يدل أيضاً علي اختلاف وجهات نظر الناخبين الإيرانيين حيال مواقف المرشحين من القضايا المطروحة، وتحديداً حيال حكومة نجاد، حيث توقع موقع «مشرق» القريب من الحرس الثوري، بداية النهاية لعهد «الأحمدية النجادية»، خصوصاً بعد فشل بروين احمدي نجاد شقيقة الرئيس من الفوز في هذه الانتخابات في مسقط رأس العائلة مدينة كرمسار. وإذا كان الناخب الإيراني صوت سابقاً لمصلحة برلمان منسجم مع حكومة نجاد، فقد اثبت في هذه الانتخابات أنه لا يريد ذلك، وإنما يريد من يقف أمام تجاوزات الحكومة وأمام الإخفاقات التي منيت بها في المجالات المختلفة. وفي ما يخص الخريطة السياسية للبرلمان الجديد، من الصعب التكهن بها لأسباب تتعلق ببقية المرشحين الذين يخوضون الجولة الثانية من الانتخابات، ويتجاوز عددهم نصف مقاعد البرلمان المؤلف من 290 عضواً، خصوصاً أن عدداً من المرشحين الذين فازوا في الجولة الأولى، أو أولئك الذين سيفوزون في الجولة الثانية لا ينتمون الى قوائم انتخابية واضحة وإنما دخلوا الانتخابات في شكل مستقل، وتحديداً في المحافظات والقرى والأرياف، وبالتالي ليس من الثابت توجه هذه الشخصيات المستقلة، وهل انهم سينضمون للتكتل النيابي الداعم للحكومة أو المعارض لها، ففي الوقت الذي ظهر واضحاً تفوق مرشحي قائمة «الجبهة المتحدة للأصوليين» التي ترعاها جماعة العلماء المناضلين وجمعية التدريسيين في الحوزة الدينية في مدينة قم، إلا انه ليس من الواضح قوة مرشحي قائمة «جبهة استقامة الثورة الإسلامية» التي اشرف عليها العالم المتشدد محمد تقي مصباح يزدي والمؤيدة لنجاد، وهل إن هذه الجبهة تستطيع استيعاب المستقلين الفائزين من المحافظات والمدن الصغيرة أم لا؟ br / يبقى ملف رئاسة البرلمان الجديد، فهو يتأرجح بين الرئيس السابق غلام علي حداد عادل الذي تزعم قائمة «الجبهة المتحدة للأصوليين» وفاز من الجولة الأولى بالمركز الأول في العاصمة طهران، وبين الرئيس الحالي للبرلمان علي لاريجاني الذي فاز هو الآخر بالمركز الأول من مدينة قم، ولربما نافسهما علي كرسي الرئاسة مرتضي اقا تهراني الذي تزعم قائمة «جبهة استقامة الثورة الإسلامية» والذي جاء تسلسله الرابع بين الأسماء الفائزة في العاصمة طهران، حيث يتوقف أمر الأخير علي تركيبة المجلس النيابي وما إذا كان في مقدور اقا تهراني منافسة الشخصيتين القويتين حداد عادل ولاريجاني. وتعتقد المصادر أن رئاسة المجلس تتوقف أيضاً علي الأسماء التي يرشحها النظام لدخول المنافسة الانتخابية الرئاسية التي تجرى عام 2013، لأن عادل ولاريجاني من الشخصيات المرشحة لهذه الانتخابات.