يبقى معرض الرياض الدولي للكتاب «الشغل الشاغل» المحتفى به طوال العام من المثقفين، احتفاء نوعياً يراد منه تنمية هذا المتسع الثقافي، باعتباره الفرصة الوحيدة للاحتماء بعطاء الآخر القصي من مبدعين عرب وغيرهم تنقل نتاجهم دور النشر العربية وغيرها، والوقوف بشكل دوري على آلاف العناوين الحديثة. بينما هناك فئة في خشيتها المعتمة طوال عمر هذا المعرض ما ادخرت حيلة إلا وأسقطتها كمخاوف ركيكة، علها تنال من هذه النافذة المهمة التي سجلت حضوراً لافتاً في سنوات ست مضت، ولم تكن القوة الشرائية وحدها العامل الوحيد لهذا الحضور، بل نشاط الكاتب والقارئ في السعودية على السواء، إذ نلاحظ نقلات كبيرة في معدلات القراءة يعكسها الكم الهائل للمنتج، وكذا حرص دور النشر العربية على دخول السوق في المملكة، ليس عن طريق معرض الرياض للكتاب وحسب، بل وعبر شركات التوزيع في المملكة، وكذا فتح فروع لها في المدن السعودية الكبيرة، مع تنامي عدد دور النشر السعودية التي تدخل المنافسة بشكل جاد وعلى نحو مبشر لمقارعة المنتج اللبناني والمصري. وكل هذا يغيب محاولات من ناصبي العداء لهذا الفتح الجديد في سقف القراءة والكتاب على اختلاف حقوله، وبالتالي فإن جميع منغصات الخفاء نجدها تتلاشى سريعاً ما لم تخلق بعداً إعلامياً للمعرض وأهميته من جهة ومن جهة أخرى تحرك الراكد من المطالبات، التي يسعى المثقف لتحقيقها ويقيس في كل عام عبر دفوعه معدلات سقف خياراته وما وصلت إليه. فمع كل مرادحة ضد مواقف الطرف الآخر الرافض للكتاب أهله، وإن أغلب طموحات المثقف تصطدم بعنت المتاح في المجتمع. هذا عرض لما نعيشه يومياً من رفض لهذا المعرض والمعوقات التي تصاحب قيامه والتحريض على دوره، وهذا مطروح بشكل يومي وشبه نافذ الحديث حوله، ولكن أن تكون وزارة الثقافة والإعلام هي المبشر الأول لعطل في هذا المعرض وتقليص دور العرض لتغييب آلاف العناوين من الكتب التي ينتظرها القارئ والمثقف، فهذا محل استغراب كبير وتساؤل لا منطق لأي إجابة حوله، فمن المقبول أن تكون هناك ملاحظات مجملة وتقابلها شروطاً محددة، لكن أن تعوق مشاركة عشرات دور النشر المهمة في الوطن العربي وتمنع مشاركتها حتى بالوكالة، وهو ما لم يحدث في أي معرض عربي للكتاب من قبل فهذا مرد لإقصاء المعرفة ودور يبرز من مفهوم «الاحتساب» الذي ينشط أساساً لتحجيم الكتاب. ولدينا تحفظاتنا الخاصة التي ليست للعرض هنا، وندرك الظرف التاريخي لبعض ملامح هذا المنع، وجميع المثقفين لهم كلمتهم في ذلك المتجانسة منها والمتباينة وليس المقام لهذا بقدر ما هو عن منع «الكتاب» لا عن منع بعض «مسوقي الكتاب»، فان تسجل موقفاً ملتزماً بخيارك الوطني ممهوراً بالصمت هذا شأن، وأن تعطل قائمة طويلة من الكتب فهذا ما لم يعتد عليه الكتاب وكان يلزم معالجة ذلك بطرق عدة، وعلى نحو حصيف؛ حتى لا نتُهم بحصار «الفكر» كما يعتد بذلك طرف له من النفاذ ما يجعله على الدوام في قناعة بأنه الوصي المقيم على حاجة القارئ. وطالما منعت الوزارة عشرات دور النشر فلا بد أن المساحة المحددة لكل دار نشر مشاركة ستزيد حتماً، فمن كان يخصص له مثلاً 24 متراً مربعاً يفترض أن يخصص له في هذه الدورة أكثر من ذلك كسباً من مساحة الناشرين المستبعدين. ولكن يُفاجأ البعض من الناشرين المشركين بأنه تم تخصيص نصف ما كان يأخذه في الدورات السابقة أي قرابة 12 متراً مربعاً تقريباً! ولا نعرف ما وجاهة الوزارة في هذا التوزيع إن كان معروفاً عن تلك الدور تنوع وتعدد إصداراتها وحداثة العناوين لديها من سنة إلى أخرى. وهناك معضلة كبيرة تتفاقم كل عام من دون أي حل لها، وهي مشاركة المؤسسات الحكومية السعودية، فغالباً ما تستحوذ أغلب هذه المؤسسات على مساحة المعرض وعلى أهم مواقعه وتقوم بالعرض فقط عدا بعض الجامعات التي تعنى بكتب البحث والمعرفة وتتوجه للطلبة والأكاديميين. ونرى أن وزارة الثقافة ما زالت عاجزة حيال مشاركة هذه المؤسسات على حساب دور النشر القادمة من الخارج وهي الأولى بالحضور، فما حاجة القارئ بعرض الكثير من الوزارات؟