أوعز رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، قبل أن يتوجه اليوم الى الدوحة تلبية لدعوة من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الى حضور المؤتمر الدولي للاتصالات، الى الوزير السابق خليل الهراوي بالتواصل مع رؤساء الكتل النيابية لعله ينجح في التوصل الى مخرج للخلاف على قوننة الإنفاق الحكومي يمكن أن يساهم في انقاذ الجلسة التشريعية المقرر عقدها اليوم، والتي باتت في حكم المؤجلة لافتقادها النصاب القانوني بعد قرار «جبهة النضال الوطني» النيابية بزعامة وليد جنبلاط عدم الحضور الى البرلمان بذريعة انها لن تكون جزءاً من المشهد الانقسامي في البلد. وقالت مصادر نيابية ل «الحياة» ان الرئيس سليمان قرر الدخول على خط الاتصالات، وهو كان استوضح الذين التقاهم أخيراً إمكان التدخل لترجيح كفة التفاهم على تسوية للإنفاق الحكومي لقطع الطريق على تكريس الانقسام داخل المؤسسة التشريعية التي يمكن ان تشكل جسراً سياسياً للتلاقي بين القوى السياسية في ظل الانقسام بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار المعارضة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وأكدت المصادر نفسها ان لا خيار أمام رئيس المجلس النيابي نبيه بري سوى تأجيل الجلسة لأسبوعين على أقل تقدير. وقالت ان الأخير يأخذ في الاعتبار الأسباب الموجبة التي أملت على جنبلاط ألا ينحاز الى فريق، وهو كان أول من دعا في الجلسة النيابية السابقة، قبل أن يصار الى تأجيلها، الى ضرورة التوافق على تسوية سياسية للإنفاق الحكومي لتفادي إقحام البرلمان في انقسام سياسي حاد. ولفتت الى أن بري لم يكن بعيداً من الدعوة التي أطلقها جنبلاط، وهو كان أول من حذر من إقحام البرلمان في شرخ سياسي بسبب مقاطعة المعارضة وعلى رأسها تيار «المستقبل» للجلسة التشريعية، اضافة الى أنه لا يستسيغ رؤية المشهد السياسي المترتب على خروج أكثرية النواب السنّة من الجلسة. عون أحبط تشكيل اللجنة المشتركة وكشفت المصادر عينها أن بري لم يكن بعيداً من تشكيل لجنة وزارية نيابية مشتركة توكل اليها مهمة ايجاد تسوية للإنفاق الحكومي، وقالت ان ميقاتي ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة وجنبلاط شجعوا على قيام هذه اللجنة لكنها بقيت حبراً على روق، بسبب اعتراض رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون على تشكيلها على رغم ان «حزب الله» لم يتخذ موقفاً سلبياً منها واضطر الى مراعاة حليفه «التيار الوطني الحر». وأضافت ان ميقاتي، ومعه الوزيران محمد الصفدي وأحمد كرامي، لم يكونوا منزعجين من تأجيل الجلسة افساحاً في المجال أمام التفاهم على تسوية، وهم راهنوا على التناغم القائم بين بري وجنبلاط للوصول بها الى بر الأمان، لكنهم اصطدموا برفض عون للجنة مع انه شارك في الحكومتين السابقتين برئاسة السنيورة وسعد الحريري اللتين أنفقتا من خارج الموازنة والقاعدة الاثنتي عشرية كغيرهما من الحكومات السابقة، اضافة الى الحكومة الحالية التي تقدمت بمشروع قانون لتوفير الغطاء لما أنفقته في العام 2011. وأكدت ان بري لم يرفض تشكيل اللجنة، خصوصاً أنه وضع لائحة بأسماء من سيشاركون فيها، لكنه تريث في تظهيرها الى العلن بسبب تشدد عون في رفضها. وقالت ان رئيس المجلس تقدم باقتراح بديل يقضي بإيجاد تسوية للإنفاق على مرحلتين: الأولى تشمل إنفاق الحكومة الحالية للعام 2011 8900 بليون ليرة وضرورة قوننته في الجلسة التشريعية، والثانية تشمل إنفاق السنوات الماضية على أن تشكل لجنة لإيجاد تسوية له ضمن مهلة زمنية معينة. وتابعت ان بري تعهد أن تأتي التسوية من خلال اقتراح القانون المقدم من النائبين في كتلة «المستقبل» غازي يوسف وجمال الجراح وأنه سيقف هو شخصياً وأعضاء كتلته الى جانب التصويت عليه في جلسة تشريعية لاحقة وأن لا مشكلة مع «حزب الله» الذي يمكن نوابه الغياب عن الجلسة. وأضافت ان المعارضة لم تحبذ هذا الاقتراح لأنه يفصل بين ما أنفقته الحكومة الحالية وما أنفقته الحكومات السابقة، إضافة الى انه يعطي ذريعة لعون لمواصلة حملته على المعارضة وبالتالي تقديم «التيار الوطني»، على رغم انه شارك في الحكومات السابقة، على أنه ضد هدر المال العام والفساد وأن الآخرين هم المفسدون، وكأنه يطلب من بعض شركائه في هذه الحكومة أن يدينوا أنفسهم باعتبارهم كانوا في صلب الأكثرية التي تشكلت منها الحكومات. لماذا لا تحضر «جبهة النضال» الجلسة؟ الى ذلك، أكد مصدر رفيع في «جبهة النضال» ان وزراءها يرفضون ان يكونوا مع وضد تحت سقف واحد، وأن مصدر الاختلاف في شأن الإنفاق الحكومي ليس بين «8 آذار» و «14 آذار» أو بين الأكثرية والمعارضة كما يدّعي عون وعدد من نوابه. وقال المصدر: «لا نريد تغطية المخالفات أو هدر المال العام في حال التأكد منه، وكل ما نطلبه ان نتوافق على رفع سقف الإنفاق الحكومي من خارج القاعدة الاثنتي عشرية على أن يترك لهيئات الرقابة التدقيق في المستندات والجداول لتبيان ما إذا كان بعض المال أنفق في غير محله». وأضاف المصدر في «جبهة النضال» ان «الظروف السياسية في السابق كانت أصعب وأدق من الظروف الراهنة وأن الإنفاق حصل من قبل حكومات الوحدة الوطنية ونحن لسنا رقماً في جيب أحد ليملي علينا الوقوف الى جانبه لحظة يشاء لممارسة الكيدية أو التشفي وهذا ما حذرنا منه يوم شاركنا في حكومة الرئيس ميقاتي». وتابع: «نحن من ضمن هذه الأكثرية، وكنا أول من دعا الى فتح حوار بين المعارضة وبري الذي نتقاطع معه في عدم اقحام البرلمان في انقسام حاد، ولم نتخذ موقفنا في السر وكنا وضعنا قيادة «حزب الله» في الأسباب التي دفعتنا الى اتخاذ الموقف الذي نتطلع منه الى ايجاد تسوية تقضي برفع سقف الإنفاق الذي لا يعني إعطاء براءة ذمة لأي من الحكومات ويترك القرار الفصل لهيئات الرقابة». وأوضح المصدر ان «الجميع يدرك الاحتقان الذي تشهده الساحة السياسية وكلنا يعرف ماذا حصل في لجنة المال والموازنة النيابية والأمور كادت تذهب الى الأسوأ لو لم يبادر الرئيس بري الى التدخل في الوقت المناسب ويعيد «الوئام» الى داخل اللجنة معتذراً باسم الكل من الكل». وسأل المصدر: «لماذا يريد البعض تسوية هذا الإنفاق من دون الآخر؟ وهل نحن نواب «غب الطلب» يراد منا ان نضع أنفسنا بتصرف أحد الأطراف للمضي في اتهاماته للحقبات السياسية السابقة او ان ننفذ الأوامر التي يمليها علينا عندما يدعو الأكثرية الى الالتزام بالحضور الى البرلمان؟» (في اشارة الى ما كان أعلنه وزير الطاقة جبران باسيل في هذا الخصوص)؟ لمصلحة من افتعال المشكلات! كما سأل المصدر عن المصلحة في افتعال المشكلات أو في البحث عن تسجيل انتصارات وهمية. وقال: «هل في وسعنا ان نقول للرأي العام اننا نغسل أيدينا من الإنفاق الحكومي في السابق؟»، مؤكداً: «نحن ندعم الجهود الآيلة الى استيعاب الاختلاف للحفاظ على دور البرلمان كساحة جامعة للتلاقي، وكنا قلنا لكل من يعنيهم الأمر إننا أكثرية بالتفاهم وليس عندما يطلبها هذا أو ذاك لتصفية حساباته السياسية مع خصومه أو للثأر منهم». وشدد على ان «جبهة النضال» ليست في وارد الدخول في فرز سياسي لمصلحة شخص أياً كان. وقال ان تأجيل الجلسة يمكن ان يدفع في اتجاه فتح قنوات للتواصل بين المعارضة وبري «ونحن من جانبنا ننصح بالتلاقي ولن نتوانى عن السعي لتقريب وجهات النظر». وأضاف المصدر أن «جبهة النضال لن تكون شريكاً في الانقسام وهذا ما يدعونا الى الامتناع عن النزول الى البرلمان»، وعزا السبب الى ان الجبهة كانت وما زالت تدعم الحفاظ على الاستقرار العام وتكريس التهدئة، ليس بين المعارضة والأكثرية فحسب، وإنما داخل الأكثرية مع تنظيم الاختلاف في شأن الموقف من سورية. وتابع: «موقفنا من الجلسة لا يهدد الأكثرية لأنه ليس موجهاً ضدها، انما يحفظها من جهة ويحافظ على الاستقرار من جهة ثانية، خصوصاً ان المنطقة، ومن خلالها لبنان، تمر في مرحلة حرجة تستدعي منا التكاتف لمنع استيراد الأزمات الى ساحتنا المحلية». القرار بيد بري لذلك فإن المشهد السياسي لما سيكون عليه الموقف اليوم في البرلمان أصبح واضحاً، وبري لم يفاجأ بموقف وزراء «جبهة النضال» ونوابها، وهم كانوا نصحوه عندما التقوه الجمعة الماضي بتأجيل الجلسة بغية تمديد الفرصة أمام قيام دورة جديدة من المشاورات، لأن التأجيل في محله إذا كان يراد منه عدم إقحام البرلمان في انقسام حاد. وعليه فإن بري يميل الى تأجيل الجلسة لأنه أدرى من غيره بواقع الحال في البرلمان فيما كشفت بعض المصادر في الأكثرية ان عون سيحاول وضع حلفائه أمام خيارين: إما أن ترحل الحكومة وإما أن تثبت الأكثرية حضورها وتوافق بعد التأجيل على «قوننة» ال 8900 بليون ليرة!