في أقل من نصف ساعة يختزل الإعلامي أكرم خُزام عبر حلقات برنامجه «حكايات مع أكرم خزام» إحدى القضايا الإشكالية في العالم العربي، وتتوزع هذه القضايا إلى عناوين مختلفة من قضية «اللقطاء في موريتانيا» إلى «بيروت الليل»، ومن «التلوث في الاسكندرية» إلى «ختان النساء في السودان»، و «من المرأة والسينما في تونس» إلى قضية «النقاب في مصر»... هي عناوين منوعة يجمعها برنامج واحد يُقدم على فضائية «الحرة»... هذه الفضائية الأميركية، الناطقة بالعربية، والتي تأسست في أعقاب الحرب على العراق، بغرض الترويج لسياسات واشنطن في المنطقة باللسان العربي، لم تحظَ بالنجاح المطلوب، وهي، قياساً إلى فضائيات غربية أخرى تنطق بلغة الضاد مثل «بي بي سي»، و «فرانس 24»، لم تستطع أن تحقق رواجاً وسط أنباء سابقة عن النية في إغلاقها... وواضح ان القناة المطمئنة الى أدائها المتواضع، لا تجتهد في كسب جمهور كبير، وإزاء «تخطيط هزيل للبرامج»، كما اتُهمت، فإن برامج قليلة جذبت الانتباه لعل «حكايات...» بينها. السمة الرئيسة لهذا البرنامج الأسبوعي هو جرأة الطرح والخوض في قضايا مسكوت عنها مثل البطالة والختان وعمالة الاطفال ودور المرأة والنقاب والأمية ... وهي قضايا، رغم غيابها عن الإعلام الرسمي العربي، لكنها قائمة، وتنطوي على الكثير من المخاطر والتداعيات السلبية، ومهمة مقدم البرنامج تكمن في الكشف عن جوانب القضية المطروحة، وإيصال صوت المقهورين والمهمشين إلى المسؤولين. بهذا المعنى فإن البرنامج يستقي موضوعه من قتامة الواقع اليومي وهمومه وأحلامه، ولا يدّعي الحل، لكنه يطلق صرخة مدوية، وينبّه الى أن ثمة قلوباً تحترق بصمت في غفلة من العدسة... البرنامج يحمل اسم مقدمه أكرم خزام، وبرامج قليلة هي التي تفصح عن مثل هذه «النرجسية الاعلامية»، غير ان المتابع لحلقات من البرنامج يدرك ان الاسم لم يأتِ جزافاً، ذلك أن خزام ينأى بنفسه عن «أناقة المذيع في استوديو مريح»، بل هو يقتفي آثار القضية من مكان الى آخر؛ يحاور أطفال الأرصفة، ويقلد رقصات المتصوفة، وينتقل في سيارات الاجرة العمومية من صخب الشوارع الى الأزقة المظلمة إلى البيوت الفقيرة والمرفهة إلى المؤسسات المعنية بالقضية المطروحة... وهو في كل ذلك لا يتقيد بصرامة «الاعلاميين وجديتهم المملة أحياناً». إنه ينساق وراء قضيته ويقوم بحركات تمثيلية أحياناً، بينما تتعقب الكاميرا، بفضول، خيوط الحكاية، ناهيك عن التعليق الصوتي الذي لا تنقصه البلاغة والنبرة المؤثرة... ولمن لا يتذكر من خزام إلا تلك الواو الممدودة في كلمة «موسكو» عندما كان مراسلاً في هذه العاصمة لإحدى الفضائيات، عليه ان يشاهد هذا البرنامج المشغول بحس إنساني قبل ان يكون صحافياً، إذ يمضي نحو الزوايا المهملة والمنسية والمؤلمة في بلدان يطل زعماؤها على الشاشة الرسمية ليبشروا الرعية الوفية بأن «كل شيء على ما يرام»، لكن للبرنامج حكاية مختلفة!