في وقت أُعلِن أمس تحديد الخميس المقبل موعداً لأولى جلسات إعادة النظر في قضية منظمات المجتمع المدني، تفاعلت الأزمة التي سببها قرار رفع حظر السفر عن متهمين أميركيين في القضية. وتوعد البرلمان أمس بمعاقبة من يقف وراء هذا القرار الذي اعتبره «تدخلاً سافراً في شؤون القضاء»، فيما طالب نادي القضاة من مجلس القضاء الأعلى التحقيق في ملابسات قرار رفع حظر السفر، محذراً من «إخضاع القضاء للمواءمات والتوازنات السياسية». ووسط تساؤلات عن مصير 19 مصرياً أحيلوا على المحاكمة ضمن 43 متهماً بتهمة «إنشاء منظمات من دون ترخيص، وتلقي تمويلات من الخارج بطرق غير مشروعة»، حددت محكمة استئناف القاهرة جلسة الخميس المقبل لبدء أولى جلسات النظر في القضية أمام الدائرة التاسعة في محكمة جنايات جنوبالقاهرة برئاسة المستشار مكرم عواد، بعد تنحي دائرة أخرى برئاسة المستشار محمد محمود شكري «لاستشعار الحرج» بعد ضغوط لرفع حظر سفر المتهمين الأجانب الذين غادروا بعد تنحي المحكمة. وقال رئيس البرلمان سعد الكتاتني أمس، إن هناك «العديد من التساؤلات في شأن صدور قرار رفع حظر سفر الأميركيين». وانتقد في شدة «التدخل السافر في شؤون القضاء»، متوعداً ب «محاسبة المتورطين فيها مهما كان شأنهم ومنصبهم». وحظيت القضية باهتمام كبير خلال كلمات النواب في الجلسة المشتركة للبرلمان أمس. وتساءل الكتاتني: «كيف يمكن تفسير وصول الطائرة الأميركية قبل صدور قرار رفع الحظر ومن دون إذن مسبق من السلطات المختصة؟ وما هي أسباب تنحي هيئة المحكمة التي لم ينف قاضيها تعرضه لضغوط كي يرفع حظر سفر المتهمين؟ ولماذا لم يتم تحقيق عاجل في واقعة التنحي وظروف سفر المتهمين؟». وأكد الكتاتني أن «الحفاظ على سلامة الوطن وأمنه الداخلي يمثل أولوية قصوى وهدفاً أسمى لا يمكن المساس به بحال من الأحوال، ولا يمكن القبول بأي نوع من التدخل الأجنبي في الشؤون المصرية تحت أي مبرر». وشدد على أن «هذه القضية لا يمكن إنهاؤها بقرار سياسي تحت أي ظرف من الظروف، وليس لأي جهة غير القضاء التدخل فيها». وتعهد «استخدام كل الوسائل والآليات لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة التي تمثل تدخلاً سافراً في شؤون القضاء، وسنتصدى لهذه الجريمة، ونحاسب المتورطين فيها مهما كان شأنهم ومنصبهم». وأضاف أن «مجلس الشعب سيدعو إلى جلسة خاصة الأحد المقبل لرئيس الوزراء والوزراء المختصين لسماع رأيهم... وليعرف الكافة أننا لن نتهاون في أي حق من حقوق هذا الوطن، ولن نقبل أي ابتزاز سياسي». ودخل نادي القضاة على خط الأزمة، وبعث بمذكرة عاجلة إلى مجلس القضاء الأعلى دعاه فيها إلى فتح تحقيق فوري في القضية. وأكد في بيان «ضرورة استجلاء حقيقة ما يتعلق بقضية التمويل الأجنبي غير المشروع لبعض منظمات المجتمع المدني، والإجراءات التي اتخذت في شأنها سواء بتنحي دائرة المحكمة التي كانت مخصصة لنظرها أو إلغاء القرار الصادر بمنع المتهمين الأجانب في القضية من السفر، وما انطوت عليه تلك الوقائع من أخطاء أو تجاوزات ومحاسبة مرتكبيها، على أن توضع نتائج هذا التحقيق أمام الرأي العام ليعلم الجميع أن القضاء لا يتستر على خطأ أو على مخطئ، وأنه حريص كل الحرص على أن يظل دائماً أهلاً لثقة الشعب المصري فيه». ولفت إلى أن «هذه الواقعة على جسامتها وخطورتها، قد أحاطت بها ظلال كثيفة من الشك والغموض، بما يجعل قضاة مصر أصحاب الضمائر الحية يحتاجون قبل غيرهم إلى فهم ما جرى ودوافعه وملابساته». وحذر من أن «خضوع القضاء للمواءمات والتوازنات السياسية هو أمر بالغ الخطورة لما يمثله من انتقاص لهيبة القضاء واستقلاله وتقويض لدعائمه». وكان عدد من كبير القضاة سواء في محكمة استئناف القاهرة التي يترأسها القاضي عبدالمعز إبراهيم أو في محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية، جمعوا توقيعات لسحب الثقة من إبراهيم الذي كان يترأس لجنة الإشراف على الانتخابات البرلمانية، وهو عضو في لجنة الإشراف على الانتخابات الرئاسية، ومساءلته عن «التدخل في شؤون العدالة» بسماحه بسفر المتهمين الأميركيين في القضية بالمخالفة للقانون. من جانبه، طالب المعارض البارز الحاصل على جائزة نوبل للسلام محمد البرادعى البرلمان بمحاسبة المسؤولين عن ترحيل الأميركيين. وقال: «نريد فوراً معرفة اسم كل مسؤول في سلسلة القيادة التي أطاحت باستقلال القضاء بدءاً من القمة... حان وقت الحساب والتطهير. ملاذنا اليوم مجلس الشعب». ودعا المرشح المحتمل للرئاسة الفريق أحمد شفيق إلى «إبعاد القضاء المصري من مناقشات السياسة وتنازعات القوى السياسية كافة». وقال إن «تعزيز هذه القاعدة يؤكد استقلال القضاء الشامخ، ويبعد به من التنافسات السياسية المحتدمة في الساحة المصرية الآن، وهو ليس طرفاً فيها ولا ينبغي أن يكون». وأضاف البيان ان شفيق «يتفق مع رغبة الرأي العام في أنه يريد أن يطمئن إلى سلامة الإجراءات التي اتخذت في قضية المتهمين الأميركيين بالتمويل الأجنبي، لكنه في الوقت ذاته يحذر من اندفاع بعض الأحاديث نحو تشويه القضاء ورموزه».