يا أخي، عذراً أنا سلفي، حسناً أيها الرفيق، هل يتبين من لغتي أنني قومي؟ اعتذر أيها الصديق، هل أبدو لك آسيوياً؟ حسناً قل لي بماذا أناديك، أقل لك من أنت؟ لعل ما سبق هو جزء من الاصطفافات التي باتت سمة في المجتمع السعودي، وعندما أقول سمة، أكيد أني لا أقصد تلك اللئيمة التي يغطيها السواد بحجة الحفاظ على الحقوق بقائمتها السوداء، فليس كل ما يغطيه السواد يحافظ على الحقوق، بل من الممكن أن يكون سبباً في ضياعها، المرأة على سبيل المثال، تتشح بالسواد، وغالباً الرجل عندها في القائمة السوداء أيضاً، لكن هذا ليس موضوعنا، فعودة إلى الاصطفافات يتضح أننا نعاني من تخمة بسببها، والإشكالية هنا أنه لا يمكن لأحد أن يبقى على الحياد، فإما أنت معي وإما ضدي، وإن كنت معهم فأنت ضدنا، هل أنت مع الإفراج عن حمزة «كشغري»؟ «ويل كم برو»، أم أنك مع قطع رأسه، حفظ الله رأسك من كل مكروه، حسناً فلنترك «كشغري» يواجه محاكمته، هل أنت تحترم الأنظمة والداخلية وترفض المساس بها، يا إلهي أنت وهابي ومباحث وعميل وتم شراؤك، أم أنك مع الحريات والخروج على الحاكم؟ إذاً أهلاً أيها البطل الثائر نير الفكر، أهلاً بالناشط، أهلاً ب «الربيع»، كما قال أخونا فريد الأطرش، ودعنا «نعزمك» على سهرة ل «كوكب الشرق». قد لا تميل لما سبق، وهنا طبعاً لا أقصد سبق الالكترونية التي تلعق الفردة الثانية للأحذية التي يوزعها محمد العريفي، بل أقصد ما أوردناه، فإن تكون مثلاً مؤيداً لعادات وتقاليد تؤيد بعضها وتتحفظ على بعضها الآخر، كقيادة المرأة السيارة مثلاً، فهنا أنت متخلف جاهل تسير إلى الوراء، لكن قد يكون أحدهم على النقيض، يخرج على سبيل المثال ليخبرنا أن ارتفاع درجات الحرارة يعود إلى ثقب الأوزون، وأيضاً عدم السماح بقيادة المرأة السيارة، أو أن يخرج آخر ليتحدث عن الفقر وما يخلفه من أضرار وضرورة العمل على التصدي له والسماح للمرأة بقيادة السيارة. طبعاً هذا يطلق عليه ناشط، وهو في واقع الأمر «نسونجي»، والغريب أن سيدة خالفت الأنظمة وقادت سيارة 400 متر واحتجزت تسعة أيام، فخرجت مظفرة من حجزها كخروج «مانديلا»، وباتت تتحدث بلسان «جيفارا»، وتحولت إلى مصلحة وناشطة وبطلة قومية في تسعة أيام، فيما أنا على سبيل المثال خالفت الأنظمة، وقدت سيارة من دون السن القانونية لآلاف الكيلومترات، ولم يتبق حجز مرور من الرياض إلى الدمام لم أمكث فيه ولفترات مختلفة، فلا أجد من يتعاطف معي، وهذا أعتبره قمة العنصرية والتجاهل. بجميع الأحوال حرب التصنيفات لدينا مستعرة، والسباق على إطلاق التسميات على أشده، لكن اللافت في الأمر أن الخط الموازي لهذا الحراك يسير أيضاً إلى الخلف، فهناك فوضى تعم المشهد السعودي بشكل واضح لا يخفى على أحد لأنه «ثري دي»، وبالتالي لا يوجد من يسعى لاحتواء ذلك الحراك، أو على الأقل لم نشاهد جهوداً فاعلة تعمل على ذلك، فتشنج الكبار، مع الأسف، أشد من الصغار، ما يذهب أي جهد في مهب الريح. المشهد السعودي اليوم يشخص الحال المتجددة التي يعيشها هذا المجتمع، فهناك جهود لإعادة صياغته، وبغض النظر عما إذا كانت تلك الجهود مستوردة أو نابعة من الداخل، إلا أن الملاحظ هنا أن حال الفوضى التي تسيطر منحت فرصة لمن يريد العبث أن يعبث بالعقول تارة، وبالمقدرات تارة أخرى، في ظل وجود تجاهل تام من النخب التي فقدت بريقها، سواء لانكشافها، أو لأخطاء وقعت فيها، أو ربما لعجزها عن التواصل مع أفراد المجتمع، أو جزء بسيط منها لانبهاره بشعبية لم يكن يستوعبها في السابق. اليوم هناك حاجة ملحة لأكثر من حوار وطني، ولا ينبغي لأي حوار أن يدعم باستثناء الحوار الذي يمس قضايا الوطن كافة، لا قضية واحدة من قضاياه، ترى ما الذي يمنع أن يبقى الحوار الوطني في حال انعقاد دائم؟ هناك حاجة ملحة لجمع الفرق المتناحرة، وما أكثرها اليوم، لتتناقش وجهاً لوجه تحت قبة واحدة، فلندعهم يصرخون ويتهمون ويشتمون بعضهم البعض، ماداموا يعتبرون ذلك حواراً، ثم ليخرجوا متصافحين، لكن، «ارحمونا» من الحبال ونشر الغسيل «الله يرحم والديكم»...! [email protected] @Saud_alrayes