سنة العراق بحاجة إلى «قوة ناعمة» في المعادلة السياسية القائمة. لقد سيطر اليمين المتطرف في السنوات الماضية على «الرافعة» التي مثلت أبناء المحافظات السنية، ولم تكن النتائج «مثمرة» لمصلحتهم. واليوم يمكن القول إن انتخاب سليم الجبوري رئيساً للبرلمان العراقي نقطة تحول مهمة من جهة نقل «التمركز» السني في المؤسسة التشريعية، من دائرة ضيقة تتمثل في «الموصل وعائلة النجيفي»، إلى شخص أكثر نشاطاً، ويمثل نحو أربع محافظات سنية، نظراً الى انتشار أبناء قبيلته الكبيرة «الجبور» في تلك المناطق. وترأس الجبوري لجنة حقوق الإنسان البرلمانية في الدورات التشريعية السابقة وكان في ذلك الوقت يحاول طرح نفسه كناشط مؤثر في ملاحقة المظالم السنية، لكنه كان حذراً في دخول «حفل التحريض الطائفي» الذي انزلق إليه الكثيرون من السيايين السنة من دون أن يترك انطباعاً بأنه «سني متخاذل». وصوت أعضاء مجلس النواب العراقي الثلثاء الماضي، بالغالبية على اختيار الجبوري لمنصب رئاسة المجلس في دورته الجديدة، بعد تنافسه مع المرشحة شروق العبايجي التي تنتمي إلى التحالف المدني. الجبوري، الذي مثل الدائرة الانتخابية لمحافظة ديالى، يمتلك شبكة علاقات سنية وشيعية جيدة، وهو بالنسبة الى كثيرين، حتى في ذروة الشحن الطائفي، نجا من مطحنة المهاترات السياسية. يقول بعض الصحافيين العراقيين، إنهم عايشوا الجبوري ووجدوه أقل تطرفاً. لقد كانت مشكلة السنة في العراق، أنهم من دون رأس سياسي يعرف كيف يواجه الاستقطاب المذهبي، ويخرج منه بمكاسب سياسية. وشعر كثيرون بأنهم بين ممثلين سياسيين ينقسمون إلى صنفين: سنة ضعفاء لا يمكنهم تحمل مسؤلية التمثيل البرلماني، وحملوا لاحقاً لافتة «سنّة المالكي»، وسنّة متطرفون وقعوا في فخ التحريض، ودخلوا في لعبة خطرة: الاستفادة من سياسات حكومة المالكي لزيادة عديد السنّة الذين يحملون السلاح من أجل إسقاط حكم بغداد. وفي السنوات الماضية، وصل العداء بين «دولة القانون» وأسامة النجيفي الى مرحلة أنذرت بمخاطر حقيقية، بخاصة مع دخول «داعش» مدن غرب البلاد وشمالها، منذ 9 حزيران (يونيو) الجاري. لقد كانت إزاحة النجيفي من الترشيحات المقدمة من المكون السني، شرطاً أساسياً لكي يبدي المالكي مرونة في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ومع وصول الجبوري إلى رئاسة البرلمان، وإزاحة النجيفي، من المرجح أن تتغير المعادلة مع إزاحة الطرف الثاني من الصراع، وهو المالكي بطبيعة الحال، وتقديم شخص يناظر السنة في «القوة الناعمة». ويمكن توقع المزيد من رئاسة الجبوري للبرلمان، إذ إنه حظيّ بنائبين لم يسبق لهما أن تسنما أي مناصب تشريعية وتنفيذية، وهما حيدر العبادي (حزب الدعوة الإسلامية)، وآرام شيخ محمد (حركة التغيير الكردية). وفي الحقيقة يمكن حزب الدعوة أن يحقق تفاهماً أولياً مع الحزب الإسلامي (حزب الجبوري)، فكلا الحزبين يؤمنان بالدعوة الإسلامية، وهما من خط الدعاة الإسلاميين. أما العضو الثالث فهو أكاديمي «فذ» من إقليم كردستان، قضى السنوات الماضية في التنقل بين جامعات السليمانية وأوروبا، يحصل على الشهادات العملية في مجالات مختلفة، كما أنه ينتمي الى حركة التغيير الكردية التي يقودها نوشيران مصطفى، وعرف خطها السياسي في الإقليم بملاحقة الفساد ولعب دور المعارضة الشرسة ضد حزبي جلال طالباني ومسعود بارزاني. لكن، الأهم من دوره كناشط سنّي، الفرصة التي يمكن أن تتاح للجبوري في استقطاب السنّة الغاضبين من المالكي، وجعلهم يندمجون في عملية سياسية بقواعد جديدة، لا سيما انه يتمتع بمقبولية جيدة في الاوساط السنّية وعلاقة طيبة مع الشيعة في الوقت ذاته. وفي العموم، فإن الجبوري في حاجة الى أن يضمن تشريعات قانونية تتعلق بمواد حساسة ومهمة كالمادة 4 إرهاب واجتثاث «البعث» وحقوق البعثيين الذين شاركت غالبيتهم في النزاع المسلح ضد النظام العراقي الحالي، وإذا تمكن من استخدام علاقاته مع جميع الأطراف يمكنه أن ينهي نزاعاً طويلاً حول تلك المواد ويخرج بقوانين أقل عداوة نحو الاطراف المذكورة. ويقف الجبوري على عوامل إيجابية قد تساعده على تحقيق تغيير ملموس في الساحة السنّية، منها أن قبيلته تنقسم بين الشيعة والسنة، وفي الشمال تتوزع على مساحات كبيرة من ديالى وتكريت وكركوك، وهي المواقع الملتهبة منذ سنوات، وتكاد تخرج اليوم من سيطرة النظام العراقي في بغداد.