من المؤكد أن المخرج الفرنسي ميشال هسانوفيشوس لم يكن ليحلم في أكثر مناماته تفاؤلاً بأنه سيعتلي عرش الأوسكارات الهوليوودية ذات يوم بفيلم فرنسي الإنتاج أميركي الهوى، ليس فيه من الحوارات ما يتجاوز الثواني... وليس فيه أي أبطال مشهورين عالمياً، ناهيك عن أن الشخصية الثالثة فيه كلب، أما الحكاية فتدور أيام السينما الصامتة. لقد صوّر المخرج فيلمه هذا بالأسود والأبيض معلناً يومها أن كل ما يتمناه لفيلمه هو ألا يشتمه الجمهور ويعرض عنه. غير أن معجزة ما فتحت ذراعيها للفيلم ليصبح منذ عرضه الأول في مهرجان «كان» وفوزه بجائزة كبرى هناك، فيلم العام، متنقلاً من مهرجان إلى آخر ومن نجاح جماهيري ونقدي إلى آخر. الفيلم هو، بالطبع، «الفنان»، المتحدث بكل بساطة عن انهيار نجم للسينما الصامتة بعد أن نطقت هوليوود أواخر ثلاثينات القرن الفائت، ثم عودته إلى بعض مجده بفضل فتاة كومبارس اكتشفها وأحبها، لتحقق وحدها بعد ذلك نجاحاً مدهشاً كممثلة وراقصة ومغنية. هذا الموضوع البسيط عرف، إذاً، كيف يسحر الناس ثم يحقق للفرنسيين فوزاً في أميركا نادراً، بل هو أكثر من فوز. فالفيلم نفسه حصد خمس جوائز منها «أفضل فيلم» و «أفضل إخراج» و «أفضل ممثل» ناهيك عن الموسيقى التصويرية والملابس. بيد أن الأهم هو أن بطل الفيلم جان دو جاردين تفوّق هنا على كبار هوليووديين من أمثال جورج كلوني، وأن أهل هوليوود، أصحاب الاختيارات في استفتاءات الأوسكار، فضلوا المخرج الذي لم يكونوا سمعوا باسمه من قبل على مبدعين من طينة مارتن سكورسيزي وتيرنس ماليك وألكساندر باين... أولسنا هنا أمام حكاية سحرية حقيقية من النوع الذي لا يتقنه سوى الهوليووديين؟ والحال أننا، على رغم أن فوز «الفنان» لم يشكّل مفاجأة حقيقية، كنا سندهش كثيراً لو أن جائزة أفضل ممثلة أعطيت لفنانة أخرى غير ميريل ستريب. ففوزها بالجائزة بدا بديهياً عن دورها في «السيدة الحديد»، وإن كان الفيلم نفسه قد خيّب آمال كثر رأوه شديد التعاطف مع رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر... ستريب استثنيت من الخيبة فنالت أوسكارها الثالث بعد أن رشحت 17 مرة منذ فوزها الأول قبل سنوات عدة... واستحقت تصفيقاً كبيراً أعلنت إثره اعتقادها بأن هذه ستكون أوسكارها الأخيرة... بالتأكيد! المخضرم كريستوفر بلامر نال من ناحيته أوسكار أفضل ممثل مساعد عن «المبتدئون»، فيما نالت زميلته أوكتافيا سبنسر جائزة مماثلة عن «المساعدة» وحصد غور فاربنسكي جائزة أفضل فيلم تحريك عن «رانجو»... أما بقية الأوسكارات، خصوصاً التقنية منها، فقد توزعت بما يشبه العدل والقسطاس بين بقية الأفلام المرشحة. وبالتالي لم تكن هناك مفاجآت حقيقية، باستثناء «المفاجأة» التي كانت على أية حال متوقعة بما يشبه الإجماع من حول فوز الفيلم الإيراني البديع «الانفصال» لأصغر فرهادي بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، وهو الفيلم الذي حقق منذ عروضه الأولى نجاحات مدهشة سواء على صعيد الصالات أو المهرجانات أو آراء النقاد. ومهما يكن، فمن الواضح أن أهل الأوسكار بدوا هذا العام أكثر إنصافاً منهم في أي عام سابق بل أقل هوليوودية، إذ أعطوا فرنسا (ولو من طريق فيلمها الأكثر أميركية «الفنان») وإيران (ولو من طريق فيلم لا يمت إلى الأيديولوجية المعهودة في سينما هذا البلد، سواء أكانت معارضة أو موالية، هو «الانفصال») انتصارات نكاد نقول لم يسبق لها مثيل.