تتزايد المفاضلة بين استخدامات الأراضي في الدول العربية إذ يرى مسؤولون وخبراء كثيرون في المنطقة أن ثمة إفراطاً في تخصيص الأراضي إلى مشاريع عقارية، من سياحية وتطويرية وغير ذلك، في ظل تحديات غذائية ومائية متزايدة. ونوه تقرير «المزايا» باستثمار دول الخليج في أراض زراعية بدول أخرى لتأمين إمدادات غذائية منتظمة، لكنه نصح بتركيز هذا الاستثمار في دول زراعية مستقرة سياسياً، منبهاً من أن تبدل صناع القرار في شكل مفاجئ قد يضر بالخطط الإستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي. ولاحظ التقرير «أن تحقيق الأمن الغذائي العربي يتطلب تلبية احتياجات القطاع الزراعي والمزارعين، مع التركيز على أهمية البحث العلمي والإرشاد الزراعي ونقل التكنولوجيا الحديثة وتوطينها، والتركيز على البحوث التطبيقية التي تخدم المزارعين»، مؤكداً أن الأمن الغذائي العربي يتطلب إرادة سياسية ودعماً مالياً واستثماراً في الخبرات العربية، ومؤكداً أن الاكتفاء الذاتي على صعيد العديد من المنتجات الزراعية ليس مستحيلاً. واعتبرت «المزايا» أن أي تطوير عقاري لا يترافق معه تطوير بشري وحضري سيؤثر سلباً في المجتمعات والاقتصادات العربية، في حين تواجه دول غنية بالأراضي والسواحل والجزر وغيرها من نقاط الجذب العقاري توسعاً في الفجوة الغذائية ومستويات مرتفعة للمواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، مقدرة الفجوة الغذائية العربية ب 37 بليون دولار. ولفتت إلى أن «من أهم العوامل التي أدت إلى محدودية إنتاج الغذاء في العالم العربي هي نقص الأراضي الصالحة للزراعة وندرة موارد المياه، فضلاً عن العوامل الطبيعية وتدني مستويات تأمين مستلزمات الإنتاج من الأصناف والبذور المحسنة والأسمدة». صندوق النقد العربي ونقلت عن «التقرير الاقتصادي العربي الموحد» الصادر عن صندوق النقد العربي أن العالم العربي يعاني مشكلة حقيقية متمثلة في سُبل تأمين الغذاء اللازم من دون الوقوع تحت ضغوط سياسية واقتصادية، مؤكداً «أن المشكلة الأكبر تتمثل في زيادة معدلات اتساع الفجوة الغذائية في العديد من الدول في ظل عجز الإنتاج عن تلبية الطلب المتزايد». وفي المقابل، تشير تقارير عربية ودولية إلى أن الدول العربية تملك من الموارد الأرضية والمائية والبشرية والتقنية والمادية ومن التجارب ما يكفي لتحقيق الأمن الغذائي، شرط اتخاذ الترتيبات اللازمة لحماية استخدام تلك الموارد وتطويرها وضمان ترشيد استغلالها وحسن توظيفها، ويتوقف ذلك على توافر الإدارة التي تشكّل أهم التحديات في عالم التنمية إضافة إلى بناء القدرة الذاتية التي تحقق إنتاج أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الغذائي. ولفتت «المزايا» إلى دعوة «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (إسكوا) إلى ضرورة الاستفادة من الفرص المتاحة لتحسين الأمن الغذائي في المنطقة من خلال تجارة الاستثمارات الخارجية التي تضمن الاستفادة لجميع الأطراف. أما «المنظمة العربية للتنمية الزراعية» فترى أن الفترة الحالية هي في مصلحة الشعوب العربية إذ تقوم البرلمانات العربية بدورها من اجل التنمية الزراعية والأمن الغذائي العربي، بعدما اعتُمدت المرحلة الأولى من الخطة التنفيذية للبرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي في «قمة شرم الشيخ 2010» بكلفة 27 بليون دولار، ويُفترض أن تكون استثماراتها مناصفة بين الحكومات والقطاع الخاص. وكشف تقرير «ما بعد الصحوة العربية: سياسات واستثمارات للحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي» للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن دول الخليج تواجه خطراً ضئيلاً في مسألة الأمن الغذائي، إذ صنف التقرير الدول العربية ضمن ثلاثة مستويات، ضئيل ومعتدل وجدي. وأظهر أن كلاً من البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات تواجه خطراً ضئيلاً، في حين تواجه كل من ليبيا وتونس خطراً معتدلاً، ويواجه اليمن والصومال والسودان خطراً جدياً. وأشار إلى عوامل تهدد الأمن الغذائي، منها الاعتماد على الاستيراد، (50 في المئة من المواد الغذائية مستوردة)، وعدم التمكن من زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، وغياب اهتمام السياسات الاقتصادية بالفئات الفقيرة والمهمشة. شح المياه وشدد تقرير «المزايا» على أن مزاحمة مشاريع التطوير العقاري والحضري للأراضي المعدة والمتاحة لأغراض الزراعة والأمن الغذائي، لا تقلق الخبراء العاملين في الشأن الاقتصادي والزراعي فحسب، بل كذلك المتخصصين في استهلاك المياه أيضاً، إذ أن دولاً عربية كثيرة تعاني نقصاً في مصادر المياه سواء المتجددة أو الراكدة أو المياه العذبة وغيرها، ما يُحتّم عليها، خصوصاً دول الخليج، إنفاق البلايين من الدولارات لبناء المحطات الحرارية ومصافي معالجة المياه. ولا تتجاوز تقديرات إنتاج المياه في العالم العربي 250 بليون متر مكعب، في حين أن الاستهلاك يتجاوز هذا الرقم بكثير، في ظل هدر واضح في الاستهلاك والتخزين. وأعلنت «الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي» أنها تدرس إنشاء نظام لتخزين احتياطات من الحبوب لمنطقة الخليج تغطي استهلاك ثلاثة إلى ستة شهور. ولمحت مصادر أن ميناء الفجيرة المطل على خليج عمان يُعتبر نقطة تخزين رئيسة بسبب موقعه خارج مضيق هرمز وقربه من ممرات الملاحة المزدحمة من الخليج وإليه. وأشار التقرير إلى أن دبي استوردت أكثر من ستة ملايين طن من الأغذية عام 2011 مقارنة بنحو خمسة ملايين عام 2010، ما يؤكد ريادتها كمركز عالمي على مستوى المنطقة في ما يتعلق بتجارة المواد الغذائية المستوردة.