قبل الحرب الإسرائيلية الجارية، وهي الحرب الثالثة على غزة خلال خمس سنوات، كانت «حماس» تغرق تحت وطأة مشاكل كبيرة: موظفو حكومتها المستقيلة، البالغ عددهم 50 ألفاً، من دون رواتب منذ شهور، وحكومة الوفاق الوطني الجديدة غير قادرة على دفع رواتبهم، ولا تستطيع تحويل مساعدات خارجية لهم بعد تلقيها تهديداً من إسرائيل بوقف التحويلات الجمركية لها، وقطار المصالحة متوقف عند تشكيل الحكومة ولم ينطلق إلى المحطات التالية، مثل تفعيل المجلس التشريعي الذي تحظى فيه بغالبية كبيرة، وعقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير وغيره، وشعبيتها في الشارع تتراجع بصورة لافتة نتيجة عدم قدرتها على توفير الحد الأدنى من الخدمات في قطاع غزة الواقع تحت سيطرتها. لكن اليوم، بعد الحرب المتواصلة للأسبوع الثاني على التوالي، تبدو «حماس» في موقع آخر، فالشارع الفلسطيني لا يخفي تعاطفه الشديد معها، ما جعلها تضع على الطاولة مطالب مؤجلة منذ سنوات، وفي مقدمها فتح المعابر، بما فيها معبر رفح مع مصر، وتحويل الأموال والمساعدات إلى الجهاز الإداري في القطاع. ورفضت «حماس» المبادرة المصرية الداعية إلى وقف «الأعمال العدائية» بين الجانبين، ومن ثم التحاور عبر القاهرة على أسس وقف إطلاق النار، مصرة على أن يتضمن أي وقف للنار رفع الحصار بأشكاله كافة. وأكد مسؤولون في الحركة أنه لا يمكنهم تطبيق أي اتفاق للتهدئة لا يتضمن حل معضلة القطاع الأولى، وهي الحصار والإغلاق ومنع التحويلات المالية. وقال مسؤول العلاقات الدولية في «حماس» أسامة حمدان ل «الحياة»: «أي مبادرة للتهدئة يجب أن تأتي في إطار يشمل إنهاء الحصار بكل أشكاله على قطاع غزة». وأضاف: «نريد أولاً وقف العدوان بأشكاله على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وفي قطاع غزة، بعد ذلك يحب رفع الحصار بكل أشكاله». وقال إن من أشكال الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني التدخل الإسرائيلي في معبر رفح بين مصر وغزة، والتدخل في التحويلات المالية للقطاع. وأضاف: «قطاع غزة في حاجة إلى منفذ للعالم الخارجي بعيد من أيدي الإسرائيليين، ومعبر رفح يجب أن يكون معبراً فلسطينياً- مصرياً لا دخل لإسرائيل فيه». وزاد: «وإسرائيل أيضاً تتدخل في المصالحة، وهي طلبت من الأميركيين الضغط لمنع التحويلات المالية لقطاع غزة، وهذا يجب أن يتوقف». ولحقت بقطاع غزة خسائر كبيرة منذ بدء الحرب الإسرائيلية عليه في الثامن من الشهر الجاري، لكن «حماس» تدرك أن الأسوأ مضى، وأنه لم يعد أمام الإسرائيليين الكثير لعمله سوى الاجتياح البري، وهو ما يستبعده الكثيرون، بسبب التداعيات والنتائج المتوقعة، ومنها عودة إسرائيل إلى قطاع غزة المليء بالمشاكل التي هربت منها ذات يوم عبر انسحاب أحادي الجانب. وتكثفت الاتصالات في الساعات الأخيرة للبحث عن حل يوقف الحرب. وشاركت في الاتصالات جهات عديدة، منها الولاياتالمتحدة وألمانيا وتركيا وقطر ومصر والرئيس محمود عباس، الذي زار القاهرة لهذا الغرض. وقالت مصادر مقربة من الرئيس عباس انه بحث مع الجانب المصري فتح معبر رفح باتفاق خاص مع السلطة. وقال عباس للصحافيين بعد عودته من العاصمة المصرية: «قدمت مصر مبادرة اعتمدتها الجامعة العربية بالكامل لان هذه المبادرة تعني وقف القتال وهدر الدم». وأضاف: «الشعب الفلسطيني يدفع الثمن، والآن لدينا أكثر من 200 شهيد وأكثر من 1700 جريح وآلاف البيوت المدمرة، وإن شاء الله قريباً يكون هناك وقف النار». وترى «حماس» في هذه الاتصالات فرصة كبيرة لتحسين مكانتها عبر حل المشاكل الأساسية في قطاع غزة، خصوصاً الإغلاق والتحويلات المالية للموظفين. وتراهن الحركة على تقدم الجانب المصري باقتراحات عملية لإنهاء الحصار من جانبه في حال أراد لمبادرته ان تنجح. وقال مسؤول في الحركة: «إذا أرادت مصر إنهاء الحرب، عليها أن تفكر في إنهاء الحصار، وفتح معبر رفح المغلق منذ أكثر من عام هو الخطوة الأولى لإنهاء الحصار على غزة». وأضاف: «لا يمكن حماس أن تعود إلى الحصار مرة أخرى بعد كل هذه التضحيات، فإما أن ينتهي الحصار أو لا يمكن أحداً في غزة أن يفكر في تهدئة تحفظ أمن إسرائيل وهي تحاصر القطاع وأهله». وكانت «حماس» اتخذت إجراءات صارمة في السنوات الماضية لفرض التهدئة على القطاع تضمنت اعتقال مطلقي الصواريخ لسنوات عدة. أما اليوم، فلا يوجد لديها أي دافع للقيام بهذه المهمة التي تتضمن حفظ أمن إسرائيل من دون مقابل.