تشير صورة أحمدي نجاد في أزمة إيران الحالية، بالنسبة إلى عدد كبير من الصحافيين والمثقفين العرب، إلى تجدد خطاب العروبة إنطلاقاً من طهران، فيما لا تعني صور المتظاهرين في الخطاب ذاته سوى نوع من تمثلات الإعلام الغربي البديل ضد الأمة الإيرانية، وذلك اعتماداً على قراءة المشهد الإيراني وفق معادلة ثابتة في المخيلة القومية، ترجع فيها أسباب اصطدام عصفورة بغصن شجرة إلى مؤامرات إمبريالية عالمية، وصهيونية ضمناً. شكك «مفكر قومي عربي» بكل تلك الأخبار والصور التي تناقلتها وسائل الإعلام. ذاك انها من إنتاج إعلام غربي بديل (الفيسبوك، يوتيوب، تويتر)، ثم ان المشاركين تخاطبوا في ما بينهم حول إيران بالإنكليزية، ولم يمكن التثبت مَن منهم من إيران فعلاً ومن يدعي ذلك. ولذلك يعتبر الكاتب بأن المشاركة الإيرانية كانت بأعداد قليلة، بينما شارك إسرائيليون وأميركيون بأعداد أكبر بكثير، ومنهم من ادعى أنه إيراني. ويجهل الكاتب بطبيعة الحال أن قسماً كبيراً من شباب إيران يتكلم الإنكليزية ويعتمدها في وسائل الاتصال الإلكترونية، ويجهل أيضاً أن اللغة الوسيطة بين «الدياسبورا» الإيرانية وبين المثقفين والشباب ممن لا يستسيغ دورهم وتأثيرهم في المظاهرات الإيرانية، هي الإنكليزية أيضاً. فهو ورفاقه كأنهم يمارسون تجديد خطاب العروبة على أجساد شباب إيران، إذ يعتبر إيران دولة وطنية منظمة بمؤسساتها وتتعرض لهجمة إعلامية فتصمد وتحمي نفسها بمشروعها الوطني، إنما يتجاهل في الحقيقة قسوة النظام الأكليركي المتمثلة بقمع الحريات والإعدامات العلنية في ساحات «الثورة» واتباع أساليب الجلد وتوريط الشرائح الاجتماعية الفقيرة في عنف مؤدلج ضد الحراك المجتمعي. لعل الأهم في كل تلك التحليلات والمواقف العروبية التي نتجت من المظاهرات الإيرانية، العودة إلى مفردات وتسميات أصبحت جزءاً من الثقافة السياسية العربية مثل «أعمال الشغب» و»السباحة في الماء العكر» و»التضليل»...إلخ من التعابير. وقد ركزت قنوات تلفزيونية فضائية ومواقع إنترنت عربية في ذات السياق على صور سيارات ومحلات تجارية محترقة كآثار واضحة لتلك الاحتجاجات، فيما كانت تشير أخبار إيران الداخلية الى أن عناصر «الباسيج» هي التي كانت تقوم بكل تلك الأعمال لتشويه صورة المعارضة التي كانت التهمة الرئيسية الموجهة إليها في خطاب العروبيين انها تمثل طبقة الأغنياء والمثقفين والشباب، كما انها موالية للغرب ولا تبالي بمعاناة العرب والفلسطينيين. وكانت النقطة المشتركة بين كل تلك الآراء التي واكبت الحدث الإيراني ان أحمدي نجاد يمثل الطبقات الفقيرة والكادحة، وهو جسر أيضاً بين الأُمة العربية والأُمة الإيرانية. إنما الأغرب من كل ذلك ان غالبية الكتاب والمثقفين والمحطات التلفزيونية التي تبنت هذا الخطاب، كانت يوماً من الأيام تمجد سياسة صدام حسين في الحفاظ على البوابة الشرقية ل «الوطن العربي الكبير» وتعتمد المفردات البعثية في تسمية إيران مثل «الفرس المجوس» و»الأطماع الإيرانية»، كما انها كانت ترى في الانتصار على إيران الخميني طريقاً نحو القدس. وكان الشريك الأقوى في هذا التحول المفاجئ الذي طرأ على موقف العروبيين تجاه النظام الإيراني تيار واسع من اليسار العربي، ناهيك عن الإسلاميين الذين طالما ارتبطت شراكتهم مع العروبة في الوحل التاريخي. على هذا النحو، بدت صورة المحتجين والمتظاهرين الإيرانيين ضد الاستبداد الإكليركي، وفق العروبيين واليسار والإسلاميين في العالم العربي، نوعاً من «الفتنة» أو نقمة فئوية إيرانية ضد النظام الوطني المُمَثّل بولاية الفقيه، وفيه، الفقراء والكادحون بطبيعة الحال. تالياً، أصبح تكذيب كل تلك المعلومات التي تثبت عنف «الباسيج»، الميليشيا المدنية الخارجة من رحم «الحرس الثوري»، طريقة للتفكير والتحليل، وحين فرضت صور القتل والدم نفسها على كل المعلومات الواردة من الإعلام الرسمي الإيراني لجأ الكثير من هؤلاء المحللين إلى المنهج التبريري للعنف. ذاك ان الحفاظ على أمن إيران وغلق الأبواب أمام «الأطماع الإمبريالية» ضرورة وطنية برأيهم! لا يتعلق الحديث هنا بذلك التيار الإصلاحي الذي يقوده مير حسين الموسوي والذين يقفون فيه فقط، إنما يتعلق بالدرجة الأساس بحراك اجتماعي يدحض فكرة مفادها أن نظام الحكم الشيعي في إيران تحول إلى شيء من «الثقة» بين المؤسسة الدينية والمجتمع. وقد أثبتت وقائع القمع الاجتماعية والثقافية اليومية أن النظام الاستبدادي (شبه التوتاليتاري) أكسب نفسه تذكرة قسوة حلت محل كل ما يشير الى الثقة أو ما شابهها، وهي في ذات السياق تذكرة، لا تختلف عما أنتجته المخيلة القومية العربية من الأنظمة التوتاليتارية. لقد التقت العروبة والاستبداد الأكليريكي في وحل إيران السياسي والسلطوي كما التقت العروبة والأصولية الإسلامية. وفي هذا تصدع يقلق الجميع! * كاتب كردي مقيم في كندا.