بدأ النشاط الكبير في قطاع البناء في السعودية يؤثر في مستويات الطلب على مواد البناء من حديد وأسمنت، لأسباب تعود إلى عوامل خارجية تتعلق بأسعار العملات وتكاليف الشحن والتأمين المتأثرة بالاقتصاد العالمي وتقلباته. وأظهرت تقارير قطاعية وإعلامية ان شركات تصنيع مواد البناء تتأثر بتقلبات أسعار النفط التي تضغط على تكاليف الشحن والنقل والتصنيع، فيما يؤدي الثبات النسبي للأسعار إلى تآكل هوامش الأرباح في سوق تعتبر ضخمة، إذ إن سوق الحديد مثلاً، تتراوح ما بين 6.5 مليون طن وسبعة ملايين سنوياً، منها مليوني طن مستوردة. نمو الطلب 10 في المئة وقدّرت أوساط عقارية نمو الطلب على مواد البناء، ومنها الحديد بأنواعه، ب 10 في المئة سنوياً، مدفوعاً بالإنفاق الحكومي السخي على المشاريع والبنى التحتية ومشاريع الإسكان الضخمة، وفق التقرير الأسبوعي ل «المزايا القابضة»، والذي قدّر حجم السوق العقارية السعودية بنحو 4.5 مليون وحدة سكنية بحلول عام 2020، فيما تشير تقارير إلى حاجة المملكة إلى بناء ما لا يقل عن 2.6 مليون وحدة سكنية خلال خمس سنوات مع تزايد عدد السكان، ما شجع كثيراً من الشركات على الإقدام على تنفيذ مشاريع تؤكد دراسات جدواها الاقتصادية المجزية. ويراوح العائد على مشاريع مثل هذه ما بين 15 و20 في المئة، في حين يُقدر حجم التمويل الإسكاني بنحو 117 بليون ريال سنوياً (31.2 بليون دولار) لاستغلال مساحة 110 ملايين متر مربع من الأراضي، في حين ارتفعت مساهمة قطاع العقار والتشييد في الناتج المحلي من 41.7 بليون ريال إلى أكثر من 54.5 بليون ريال في السنة الأخيرة. الأسمنت ولفت تقرير «المزايا» إلى ان أزمة الأسمنت في السعودية بدأت تأخذ أبعاداً جديدة مع انتقالها إلى باقي المدن في ظل نشوء سوق موازية، أو سوداء، ما انعكس سلباً على أسعار مواد البناء، خصوصاً الخرسانة الجاهزة، التي بدأت أسعارها ترتفع. وبيّن ان حجم إنتاج الاسمنت في السعودية لا يعاني نقصاً، إذ أظهرت بيانات وزارة التجارة ان الإنتاج بلغ 48.4 مليون طن خلال عام 2011، بينما بلغ حجم الاستهلاك 47 مليوناً، بزيادة مقدارها 1.4 مليون طن. إلا ان هذا الهامش المحدود وتعطل بعض خطوط الإنتاج، في ظل طلب مستمر ومتصاعد، أوجدا أزمة مؤقتة في الأسواق، أدت إلى ارتفاع الأسعار في شكل ملحوظ. وأظهرت بيانات الوزارة ارتفاع حجم استهلاك الأسمنت خلال عام 2010 من 41.3 مليون طن إلى 47 مليوناً عام 2011، أي بما نسبته 13.8 في المئة، إلى جانب زيادة في حجم المعروض العام الماضي مقارنة بالعام السابق بما نسبته 12.6 في المئة، إذ ارتفع حجم الإنتاج من 43 مليون طن عام 2010 إلى 48.4 مليون العام الماضي. وأكدت «المزايا» ان ارتفاع معدلات التضخم، بالترافق مع المشاريع الحكومية الضخمة، قد تدفع صعوداً أسعار مواد البناء وتكاليف التشييد، وتزيد بالتالي أسعار الوحدات السكنية التي يبنيها القطاع الخاص، إذ ينشط قطاع الإسكان في السعودية مع تنفيذ خطة إنفاق على البنية التحتية قيمتها 580 بليون ريال. وأشار إلى استشعار المقاولين لزيادة في الأسعار وصلت إلى 20 في المئة، ما قد يرفع أسعار العقارات التي تبنى هذه السنة. أسباب زيادة الأسعار ورأى خبراء ان أسعار مواد البناء زادت نتيجة عوامل، أبرزها انخفاض سعر الدولار وارتفاع سعر النفط في الأسواق العالمية، ما أثر في كثير من الصناعات، فضلاً عن ارتفاع كلفة الشحن والتأمين البحري 30 في المئة، إضافة إلى تأثير المشاريع الحكومية الكبيرة التي أوجدت طلباً مفاجئاً على مواد البناء، مع توقعات باستمرار هذه الآلية خلال السنوات المقبلة، إذ ستسلم وزارة الأشغال أكثر من 200 ألف وحدة هذه السنة، أي أكثر من ما يُنتجه القطاع الخاص. وكانت وزارة المال أشارت إلى تحويل 250 بليون ريال من فائض المالية إلى «مؤسسة النقد العربي السعودي» (ساما) لضمان استمرار تنفيذ خطة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لبناء 500 ألف وحدة سكنية تتولى مسؤوليته وزارة الإسكان. وأوضح عقاريون سعوديون ان أحد الحلول لحل الأزمة يتمثل في تعزيز الرقابة على سوق مواد البناء لتفادي نشوء سوق سوداء، ومحاربة الاحتكار قبل ان تصبح ظاهرة في السوق، كما ان تجار مواد البناء مدعوون إلى العمل على تلبية متطلبات المشاريع الإسكانية الكبرى بما يتناسب وحجم هذه الطلبيات وعدم سدها من مستودعاتهم المخصصة للسوق المحلي.