قد تبدو الأمور طبيعية أن يستقيل المدرب بعد خلاف مع الاتحاد المحلي، وهو ما رأى نهاية مرحلة امتدت أكثر من أربع سنوات أمضاها الإيطالي فابيو كابيلو مدرباً للمنتخب الإنكليزي، وجاءت استقالته على خلفية خلاف على تجريد قائد المنتخب جون تيري من شارة القائد، لكن هل كابيلو بحنكته فضل الخروج في الوقت المناسب قبل أن يخفق فريقه في نهائيات كأس الأمم الأوروبية الصيف المقبل أم أن الصحافة المحلية أسهمت في دفع المدرب الإيطالي إلى الاستقالة؟ لا بد من الاعتراف أن الإعلام الإنكليزي من الأقوى والأكثر تأثيراً في العالم، وقدرته على اصطياد الفضائح وسردها بصورة درامية لا مثيل لها، حتى إن ضحايا هذا الإعلام القاسي لا تقوم لهم قائمة من بعد كل فضيحة، لكن الغريب أن من ضحايا هذا الإعلام المخضرم منتخبهم الوطني، والأنكى أن الفضائح التي تطال مدرب المنتخب ونجومه لا تبرز إلا قبل بداية بطولات كبيرة ومهمة. البعض قد يرى من استقالة المدرب الإيطالي فابيو كابيلو، حنكة رجل مخضرم، استبق الأحداث وقفز من فوق سطح سفينة ستغرق لا محالة، فكابيلو يدرك أن ما يتوافر لديه من مواهب إنكليزية لا تكفي حتى لمقارعة فرق مجموعته في نهائيات كأس الأمم الأوروبية، وكونه رجلاً صاحب إنجازات وتاريخ فإنه فضل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل وقوع فضيحة كروية جديدة مشابهة لنهائيات كأس العالم 2010. هذه وجهة نظر قد تنصف المدرب الإيطالي، لكن الكارثة الأكبر هي استمرار الفضائح الإنكليزية قبل البطولات الكبرى، إذ يلعب الإعلام الإنكليزي أدواراً رئيسية في هذه الفضائح، فرغم أن المدرب استقال على خلفية اختلاف في المبدأ مع الاتحاد الإنكليزي إلا أن التمعن بتسلسل الأحداث يؤكد أن الإعلام يلعب الدور الرئيسي في صب الزيت على النار واحتدام الأمر. الجميع يعرفون قصة سواريز وايفرا، وهي مشكلات تفاقمت على خلفية تفوه سواريز بألفاظ عنصرية، سرعان ما دفع النجم الأوروغواني ثمناً لها بمعاقبته بالإيقاف ل 8 مباريات لتنتهي عندها المشكلات، لكن مشكلات جون تيري مع انتون فيردناند، ورغم أنها على خلفية مشابهة، بتفوه تيري بألفاظ عنصرية، فإنها لاقت نتيجة مختلفة، والسبب الإعلام. فتكثيف تغطية الإعلام لهذه القضية، وإقحام شقيق انتون، زميل تيري في المنتخب، ريو في المسألة أخذت بعداً مختلفاً، حتى إن بعض زملاء تيري في المنتخب أبدوا آراءهم للصحف المحلية بين مؤيدين ومعارضين لقائدهم، لتكبر القضية وتصل إلى المحكمة المدنية التي قررت البت فيها بعد نهائيات كأس الأمم الأوروبية، في ال 9 من تموز (يوليو) المقبل، وبتعاظم الضغوط قرر الاتحاد سحب شارة القائد من تيري على عكس رغبة كابيلو الذي قرر الاستقالة في النهاية، وهنا السؤال: «لماذا لم تتفاعل قضية ايفرا - سواريز بهذا الشكل؟». هذه ليست المرة الأولى التي يقحم فيها الإعلام الإنكليزي منتخبه في مأزق وظروف صعبة قبل بطولة كبيرة، ففي 1970 ركزت الصحف على قضية اتهام قائد المنتخب بوبي مور بسرقة قلادة من محل مجوهرات في العاصمة الكولومبية بوغوتا، خلال فترة استعدادات المنتخب لمونديال المكسيك، وهو الذي كان يدافع عن لقبه، ورغم أن القضية حُلت على الفور إلا أن الصحف التي دافعت عن مور بعناوين مثل «مور بريء» و»قائدنا ليس حرامياً»، لفتت أنظار الجميع، وانهمك اللاعبون في هذا القضية التي سببت حرجاً كبيراً للكابتن، وكأحد الأسباب قدم المنتخب عروضاً متواضعة في النهائيات. وفي نهائيات كأس الأمم الأوروبية 1996، التي استضافتها إنكلترا، كان تركيز الصحف قبل أيام من بدء البطولة على ليالي السهر والثمالة للاعبي المنتخب، ورغم تقديم الفريق عروضاً قوية تحت قيادة تيري فينابلز إلا أنه لم يسلم من الأسئلة المتواصلة من الإعلام عن قضايا اختلاسات مادية عدة تنتظره في المحاكم. وفي مونديال 1998، اتهم المدرب غلين هودل، المشهور بتدينه، بأنه لا يختار تشكيلة فريقه، بل سيدة تدعى ايلين دروري، عينها هودل لتكون الأخصائية الروحانية لرفع معنويات اللاعبين، حتى إن هودل دفع ثمناً بإقالته على خلفية اعتقاداته الروحانية. وهكذا دفع السويدي زفن غوران أريكسون ثمناً، عندما ركزت الصحف على حياته الشخصية وعلاقاته العاطفية، خصوصاً قبل مونديال 2006، حيث أخفق المنتخب مجدداً. وقبل مونديال 2010، أبرزت الصحف الخيانة الزوجية لنجم المنتخب الأول وين وني، مثلما أبرزت كل فضائح نجوم المنتخب من تيري إلى كراوتش وآشلي كول، حتى إنها ألفت قصصاً على ديفيد بيكهام لم تكن صحيحة. مثل هذه الأمور، خصوصاً العلاقات العاطفية موجودة في كل مكان في العالم، لكن لا نسمع الإعلام الإسباني أو الإيطالي مثلاً يتحدث عنها إلا إذا وصلت إلى المحاكم على غرار فضيحة نجوم المنتخب الفرنسي قبل المونديال الماضي. الاتحاد الإنكليزي سيصارع الوقت الآن لإيجاد بديل، خصوصاً أن النهائيات الأوروبية ستبدأ بعد أقل من أربعة شهور، ولسخرية القدر فإن المرشح الأكبر لخلافة كابيلو هو مدرب توتنهام هاري ريدناب الذي حكمت محكمة مدنية في اليوم الذي أعلن فيه كابيلو استقالته، بتبرئته من تهمة التهرب من الضرائب. إذاً الزيت موجود للإعلام الإنكليزي لصبه على النار.