منذ انطلاق الثورة في المدن السورية، توافد إلى السويد المئات من السوريين الذين أسعفتهم حظوظهم في الوصول اليها سالمين. ووفقاً لدائرة الهجرة السويدية، فإن 640 سورياً قدموا طلبات الحصول على إقامة في السويد العامَ الماضي (2011)، فيما سجل الشهر الاول فقط من العام الجاري 2012، تقديمَ 120 سورياً طلبات للحصول على الإقامة، وهي زيادة تتوقع لها دائرة الهجرة الاستمرار في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن في سورية. يصف رئيس جمعية المغتربين السوريين في السويد جوزيف قسطن، قرار دائرة الهجرة الأخير بأنه يدخل ضمن سياستها تجاه اللاجئين والتهديدات التي تترصدهم جراء الأوضاع التي تعيشها بلدانهم، وهو ما حدث مع العراقيين بعد أحداث عام 2003، واليوغوسلافيين في تسعينيات القرن المنصرم، وجنسيات عدة شهدت ظروفاً مماثلة. ومنذ أواخر ستينيات القرن الماضي، تزايدت الهجرة الى السويد، إحدى الدول الموقعة على معاهدة الأممالمتحدة للاجئين، للعام 1951، والتي تعرِّف اللاجئ بالشخص المضطهد بسبب عرقه أو دينه او جنسيته او انتمائه لطائفة اجتماعية معينة او رأي سياسي. ويرى قسطن في حديث ل «الحياة»، أن قرار دائرة الهجرة «موقت» ومرتبط الى حد كبير بتطور الأوضاع في سورية والخروج من أزمتها السياسية الراهنة، لكنه في الوقت ذاته يعتقد أن تحقيق ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً، إذ يقول: «لا نعرف في أي منحى تسير الأوضاع السياسية في سورية، لكن الأكيد أنها ستطول». حديث قسطن، يؤكده المستشار القانوني في دائرة الهجرة السويدية ميكل ربينفيك، لكن بوضوح أكثر، إذ يصف الأوضاع في سورية ب «السيئة للغاية وغير المطمئنة»، بل إنه يذهب أبعد من ذلك عندما يقول إن «هناك إمكانية لأن تسوء الاوضاع بشكل أكبر قبل أن تتجه نحو التحسن». ويوضح ربينفيك أن الوقت الذي يتطلبه البت بقضايا اللاجئين السوريين الباحثين عن إقامات في السويد، أقل من الوقت الذي يتوقع ان تشهد فيه الأوضاع في سورية انفراجاً أو تحسناً ملحوظاً، مشيراً إلى أن هذا ما دفع بدائرة الهجرة إلى اتخاذ قرار بإيقاف تسفير المرفوضة طلباتُ لجوئهم في الوقت الحالي. يعيش مئات السوريين من غير الحاصلين على الإقامات، في انتظار وقلق مريرين، خاصة ان دوافع الكثير منهم لترك البلد والهجرة الى السويد، سياسية وأمنية بحتة. نبراس حميد القامشلي، شاب عشريني، غادر سورية بعد استدعائه للانخراط في الجيش، وبعد ان فقد شقيقه الأكبر الذي كان عسكرياً في بداية الأحداث ولا يعرف عنه شيئاً حتى الآن. يقول القامشلي ل «الحياة»، إنه لم يكن قبل الأحداث يفكر مطلقاً بمغادرة بلدته الواقعة في احدى ضواحي مدينة القامشلي، لكن سوء الأوضاع واختفاء شقيقه الكبير وحزن والدته عليه دفعته الى ذلك، مستبعداً العودة من جديد. ورغم ان القامشلي لا يجيد القراءة والكتابة، لكنه غامر وقرر الهجرة، دافعاً من أجل ذلك الكثير من الأموال التي كان قد ادخرها لزواجه، وفقاً لقوله. كاروان عبدالله، الذي وصل الى السويد قبل ثمانية اشهر مع زوجته وأبنائه الثلاثة، يقول ل «الحياة» إن حياته وعائلته كانت على وشك أن تنتهي، لانتمائه إلى حزب معارض للحزب الحاكم، وإن قلقه على زوجته وأطفاله دفع به لترك البلد مرغماً. ويصف عماد عبدالله، الذي وصل السويد قبل 10 أشهر، قرار دائرة الهجرة ب «المحبط»، وأنه كان ينتظر قراراً يمنحه حق الحصول على الإقامة بدل المزيد من الانتظار والقلق. ووفقاً لقسطن، يقيم في السويد بين 60 و70 سوري، موزعين على مدن السويد الثلاثة الكبرى، أي ستوكهولم ويوتوبوري ومالمو، كما تعيش نسبة كبيرة منهم في مدينة سودرتاليا. زيادة في عدد الحاصلين على الإقامات ومع تفاقم الأوضاع في سورية، زادت دائرة الهجرة في منح الإقامات للسوريين، ووفقا لربينفيك، فقد ارتفعت نسبة السوريين الحاصلين على اقامة من 7 بالمئة منذ بداية الأزمة في سورية، منتصف آذار 2011، الى 66 بالمئة منذ شهر كانون الاول من العام ذاته، مؤكداً ان دائرة الهجرة منحت حق الإقامة ل 45 طالب لجوء سوري من بين 82 قضية خلال الشهر الاول من العام الجاري، في حين حصلت قضيتان فقط على حق الإقامة من مجموع 34 قضية في شباط العام 2011. وكانت منظمة العفو الدولية طالبت دائرة ومحكمة الهجرة (أعلى جهة تبت في قضايا الإقامات) السويديتين، بإيقاف ترحيل اللاجئين السوريين الى بلدهم، بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها، وأن الكثير من المبعدين قد يكونون أهدافاً سهلة لقوات النظام السوري، وخصوصاً المعارضين منهم. من جهة أخرى، اكد ربينفيك التزام دائرة ومحكمة الهجرة بقرار إيقافهما ترحيل اللاجئين السوريين المرفوضةِ طلباتُ لجوئهم حتى إشعار آخر. يبقى القول إنه من الصعب تكهن ما اذا كان قرار دائرة الهجرة بخصوص إيقاف إبعاد اللاجئين السوريين المرفوضين، سيكون تمهيداً لقرار مستقبلي آخر، يُمنحون بموجبه حق الإقامة في البلد، بل ان الحديث عن منح الإقامات أمر غير وارد في السويد، فالإقامة تُمنح وفقاً لكل قصة وحالة، ودائرة الهجرة تنظر بكل قضية على حدة، ولها في ذلك شروطها التي لا تكشف عنها. لكن إذا تفاقمت الأزمة السورية بالشكل الذي يصعب معه ايجاد مخرج لها، وتحول البلد الى ساحة نزاع داخلي مسلح، كما حصل في العراق بعد أحداث عام 2003 والأعوام بعدها، فقد يكون لدائرة الهجرة قرارات أخرى في ذلك الحين.