لماذا نشاهد مباريات كرة القدم؟ ولماذا نتابع الرياضة؟ وهل مشاهدة «الكرة» ومتابعة الرياضة تتنافى مع الرقي والتميز والتعليم العالي والثقافة أم تتناسب معهم؟ وهل «التنافسية» في كرة القدم والرياضة تتنافى مع رسائل «المحبة» و«السلام» التي تبثها «الرسالات السماوية» أم تتناسب وتتكامل مع «الأخلاقيات»؟ وهل التشجيع الرياضي من الممكن أن يتماشى مع المنطق و«الأعراف الاجتماعية» أم أن هذا الأمر من «المستحيلات»؟ هذه الأسئلة وغيرها تراودني منذ زمن، وقد توصلت لإجابات عن بعضها واحترت في البعض الآخر حتى يومنا هذا. وقد مررت بتجارب في فترة من الزمن قررت بعدها مقاطعة كرة القدم والرياضة نهائياً بحجة أنها ملهاة للذين يفتقرون إلى الجدية في حياتهم، معتقداً في تلك الأيام بأنها ليست سوى تسلية لمن ليس لديهم شيء حقيقي يفعلونه في حياتهم، أي أنها «وسيلة» ملء فراغ لمن لديه فراغ عقلي ووقتي. كان هذا حكمي «غير العادل» على الرياضة عموماً في فترة من فترات حياتي كنت مشغولاً وشغوفاً فيها بالثقافة والأدب والصحافة والسياسة. وبعد أن ركضت سنين العمر من بين يديّ بدأت أستشعر أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بلا «تسلية»، ولا يمكن أن يحيا من دون «متنفس»، ولا يمكن أن ينجز عملاً جاداً من دون أن يشعر من وقت لآخر بمتعة القيام «بلا شيء». حينها أدركت جمال الرياضة وأهمية متابعتها وجدوى مشاهدة سويعات من مباريات كرة القدم النظيفة. ولكني دائماً كنت ولا أزال أمقت «التعصب» في الرياضة الذي أعتبره آفتها ومصيبتها الكبرى، فلا يعجبني من يعتبر مشجع فريق منافس أنه «مجنون»، ولا يعجبني «السب» ولا «التراشق» بالألفاظ، ويغضبني «الاستهزاء» بالمنافسين والتقليل من شأنهم، والأسوأ من هذا وذاك «العنف» الذي بتنا نشاهده في بعض الملاعب أخيراً. وعندما أرى ما يجري بين المشجعين المتعصبين تراودني فكرة «الهجرة» مجدداً من الملاعب الرياضية كلياً، والعودة إلى موقفي القديم المقاطع لكرة القدم ومشاهدتها. أصبت بكثير من المشاعر المتضاربة عندما ابتليت وغيري بمشاهدة الأحداث المؤسفة التي وقعت في إستاد مدينة «بور سعيد» المصرية والتي راح ضحيتها أكثر من 70 مشجعاً مصرياً شاباً لقوا حتفهم وأكثر من ألف مصاب. وبعد أن سمعت ما قاله النجم محمد أبو تريكة لوسائل الإعلام من أنه لقن «الشهادتين» لمشجع مصري قبيل موته بثوانٍ، وهو ما جعله يعلن اعتزاله لكرة القدم، وهو موقف مبرر ومقدر بعد الذي رآه في المباراة الكارثية... دفعتني الأحداث كلها دفعاً لأن أعود وأتساءل بيني وبين نفسي: هل تستحق كرة القدم أن نتابعها ونموت من أجلها؟ وهل كرة القدم وسيلة تسلية أم وسيلة تخدير وتسميم للشباب الذي يمثل مستقبل الأمة؟ هل سأعتزل المشاهدة كما اعتزل أبو تريكة اللعب؟ لا أزال أفكر بعمق. [email protected] Twitter | @hishamkaaki