ترجح مصادر وزارية، أن تأخذ المعالجة المطلوبة لقرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تعليق جلسات مجلس الوزراء بسبب الخلاف الذي حصل الأربعاء الماضي على تعيين رئيس مجلس التأديب في مجلس الخدمة المدنية مع وزراء «التيار الوطني الحر»، وقتاً طويلاً، واعتبرت أن الأمور تحتاج الى نَفَس طويل قبل التوصل الى توافق على ما يسميه ميقاتي ضمان الإنتاجية في جلسات مجلس الوزراء. وتتوزع الآراء داخل مجلس الوزراء حول الموقف من الخلاف الذي حصل بين من يعتبر أنه لا يحق دستورياً لميقاتي أن يجمد اجتماعات مجلس الوزراء، وبين من يرى أن الخلاف على تعيين رئيس مجلس التأديب لا يستأهل تضخيم الخلاف الى هذا الحد، ورأي ثالث يعتبر أن التسليم ل «التيار الوطني الحر» بمطالبه على أنه المرجعية الوحيدة للمسيحيين غير مقبول، وأن إصراره على أن الأمر له ليس وارداً، بالتالي فإن رد فعل ميقاتي طبيعي وكذلك تناغم رئيس الجمهورية ميشال سليمان معه. ويسأل مصدر وزاري عن طبيعة المخرج الذي يمكن اعتماده لمعاودة جلسات مجلس الوزراء قائلاً: «إذا تراجع سليمان وميقاتي عن إصرارهما على تعيين القاضي إيلي بخعازي رئيساً لهيئة التأديب العليا، فهذا سيُعَدّ هزيمة لهما أمام اعتراض الوزير جبران باسيل ووزراء «التيار الوطني»، وإذا عاد التيار عن رفضه تسمية بخعازي سيظهر على أنه تراجع أيضاً وانكسر قراره بحصر التمثيل المسيحي فيه». مأزق حكومي وفي رأي المصدر أن الحكومة باتت في مأزق بفعل العلاقات المتوترة بين سليمان وميقاتي من جهة، وبين «التيار الوطني» من جهة ثانية، لأن الخلاف الأخير جاء بعد الخلاف على رفض وزير التيار شربل نحاس توقيع مرسوم رفع بدل النقل في إطار تصحيح الأجور لاعتراضه على عدم ضمه الى أصل الراتب. والمأزق يكمن في أن موقف نحاس وضع مجلس الوزراء أمام 4 احتمالات: أن يذعن نحاس لقرار مجلس الوزراء فيوقع المرسوم، أن يتحيّن المعنيون سفر نحاس ليوقع المرسوم بدلاً عنه الوزير بالوكالة نقولا فتوش، أن يقرر مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين نزع حقيبة العمل من نحاس وتسميته وزير دولة ليحل مكانه في تسلم الحقيبة وزير آخر يوقع المرسوم، أو أن يقرر مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين إقالته. ويذكر المصدر الوزاري أن تعديل حقيبة نحاس أو إقالته ليسا متاحين، لأن لا مجال لتأمين أكثرية الثلثين لمصلحة هذا الخيار، خصوصاً أن وزراء «حزب الله» و «أمل» وحلفائهما ليسوا في وارد تأمين هذه الأكثرية لمصلحة هذين الخيارين. ويعتقد المصدر الوزاري أن «حزب الله» يتبرم ضمناً من التعطيل الذي تتسبب به مواقف العماد عون حيال ميقاتي وتوجهاته، إلا أنه في نهاية المطاف ليس في وارد اتخاذ موقف يكسر عون، نظراً الى استمرار حاجته الى حسن العلاقة معه كحليف وبالتالي لن يسمح بإقالة نحاس. التهاون والتشدد أما في ما يخص الخلاف على تعيين رئيس هيئة التأديب العليا، فإن المصدر الوزاري نفسه يرى أن ميقاتي ومعه سليمان، كان يمكنهما الاعتراض على ما هو أكثر أهمية في مطالب «التيار الوطني الحر»، حين وافقا على الإجازة لوزير الاتصالات نقولا صحناوي تجديد عقد الشركتين المشغلتين للهاتف الخليوي مدة سنة حين قبلا معه بإدخال هذا البند على جدول الأعمال قبل ساعات من انتهاء مدة العقد السابق، مع إعطاء صلاحيات للوزير بالتفاوض مع الشركتين على قضايا مالية ومبالغ طائلة «فأذعنا للأمر الواقع ووافقا مع وزرائهما على هذا التجديد في وقت هناك أسئلة كثيرة على العقد، وهذا أمر كان يستأهل التوقف عنده أكثر من الخلاف الذي حصل على تعيين رئيس مجلس التأديب، لكنهما لم يفعلا، فظهرا على أنهما يتهاونان في قضية مالية مهمة وعلى أنهما يتشددان في قضية أقل أهمية». ويستغرب المصدر الوزاري «تراخي الرئيسين حيال الطريقة التي يخاطب فيها وزراء العماد عون الرئيسين في محطات عدة، في جلسات سابقة، في شكل يكرّس الاستثناء قاعدة في التخاطب، ما يؤدي الى كسر هيبتهما في إدارة جلسات مجلس الوزراء، أمام هؤلاء الوزراء». «طفح الكيل» ولا يرى المصدر أي أفق للمخرج الممكن من التأزم الأخير «الذي يوجب على واحد من الطرفين أن يتنازل»، في وقت يبدي ميقاتي حرصه على أن يتواصل العمل الحكومي بغض النظر عن تعليق اجتماعات مجلس الوزراء فيواصل لقاءاته مع الوزراء ومن بينهم وزراء «التيار الوطني»، حين ترأس أول من أمس الاجتماع الوزاري للبحث في موضوع الكهرباء في حضور الوزير باسيل ثم عرض مع الوزير نقولا صحناوي شؤون وزارته، من دون أن يكون البحث تناول المشكلة التي حصلت في مجلس الوزراء. لكن مصادر وزارية أخرى تقول إن ميقاتي قرر اتخاذ موقفه بتعليق جلسات مجلس الوزراء «بعدما طفح الكيل وبعدما أعطى الكثير من الفرص لتصحيح الأداء داخل الحكومة، ليؤكد أنه لا يقبل مصادرة قراره أو صلاحياته أو النيل من هيبته عبر الهجوم على خطواته في شكل متواصل للاستئثار بالتعيينات من قبل التيار الوطني الحر». وتؤكد المصادر أن موقف ميقاتي وتضامن سليمان لم يكونا فقط بسبب اعتراض التيار الوطني على تعيين رئيس مجلس التأديب «بل جاء نتيجة تراكمات واحتقان بعد صبر طويل منهما وكرد فعل على الممارسات السابقة» ومنها قول الوزير باسيل للرئيس سليمان في جلسة سابقة إنه لم يستشر رئيس الجمهورية على رغم أنه استشار فرقاء آخرين في التعيينات في مؤسسة كهرباء لبنان، «لأننا نريده حكماً» رداً على سؤال من سليمان عما إذا كان استشاره في التعيينات. تدخل «حزب الله» وإذا كانت القضية قضية قلوب مليانة كما قال رئيس البرلمان نبيه بري، فإن المأزق الحكومي سيبقى مستمراً في انتظار اتصالات لمعاودة اجتماعات مجلس الوزراء في ظل اعتقاد أوساط وزارية أن التوصل الى آلية لتفعيل جلساته وضمان إنتاجيته يحتاج الى وقت، خصوصاً أن لا أحد لديه تصور في شأن الانتقال بالعمل الحكومي الى حال إنتاجية أفضل كما يطالب رئيس الحكومة، سوى تدخل «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر» وزعيمه للتخفيف من الضغط على دوري سليمان وميقاتي الحكوميين، خصوصاً أن هناك اعتقاداً بأن العماد عون ووزراءه لم يبادلوا الرئيسين الليونة التي تعاطيا معها في بعض ما يهم هؤلاء الوزراء في قطاعي الاتصالات والكهرباء. وإذ يتطلع بعض الأوساط الى دور يمكن أن يلعبه بري في هذا المجال، فإن الأوساط المتتبعة للجهود المحتملة ترى أن تنشيط المساعي لن يحصل قبل عودة ميقاتي من زيارته الرسمية لباريس في العاشر من الجاري.