أثار تعليق جلسات مجلس الوزراء اللبناني حتى إشعار آخر، على خلفية الجلسة الحامية التي عُقدت مساء اول من امس في القصر الجمهوري، وتفجر خلالها الخلاف بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزراء «تكتل التغيير والاصلاح» النيابي حول ملف التعيينات، ردود فعل واسعة من قوى معارضة استنكرت عدم احترام الصلاحيات مقابل ردود حملت على ميقاتي. وكان وزراء «التيار الوطني الحر» (برئاسة العماد ميشال عون) اعترضوا على اقتراح قدمه ميقاتي في نهاية الجلسة، لتعيين إيلي بخعازي رئيساً لهيئة التأديب العليا، لاعتبارهم أن التعيينات المسيحية حق لهم ولا يجوز لأحد أن يتدخل فيها، فحاولوا تهريب نصاب الجلسة، اذ انسحب وزير الطاقة جبران باسيل أولاً قبل أن يتبعه وزير العمل شربل نحاس، ما أثار حفيظة ميقاتي الذي طلب من نحاس البقاء مكانه، قائلاً: «أنا من يرفع الجلسة وليس أنتم من يُطير النصاب». ثم تمنى على رئيس الجمهورية رفع الجلسة وتعليق اجتماعات مجلس الوزراء إلى حين البت بالتعيينات، قبل أن يتوجه إلى خارج القاعة لإعلان موقف، لكن الرئيس سليمان تمنى عليه عدم التصريح. اعتبر وزير الاقتصاد نقولا نحاس أن «رئيس الحكومة مسؤول عن كل شيء في قرارات الحكومة وفي سياستها، لذلك يجب احترام عمله ودوره وصلاحياته». وقال: «نحن أمام أزمة حكومية»، مشيراً إلى أن «رئيس الحكومة كان واضحاً في ضرورة احترام الآليات الدستورية للتعيينات»، مضيفاً: «طفح الكيل في بعض الامور، فلا يجوز تعاطي بعضهم مع الأمور وكأن كل شيء يجري طرحه من قبلهم يجب ان يبُتّ وكل شيء يطرحه غيرهم يبت بالطريقة التي يريدونها أيضاً». وقال الوزير السابق حسن منيمنة ان تعليق جلسات مجلس الوزراء «محاولة من الرئيس ميقاتي لاستيعاب صدمة العجز في إدارة شؤون البلاد، وامتصاصاً لنقمة داخل الحكومة كما في الشارع». وقال: «من أتى بهذه الحكومة يمنع استقالتها او اعتكافها، لذلك أتوقع ان تمر التعيينات الإدارية من خلال تسوية ما، يجرى تحضيرها خلال وجود الرئيس ميقاتي في فرنسا». حكومة عاجزة ورأى عضو كتلة «المستقبل» النيابية جان اوغاسابيان «ان هذه الحكومة ولدت غير متجانسة وعاجزة ومشلولة، وما حصل في جلسة مجلس الوزراء غير مستغرب وكان منتظراً في أي لحظة». ورأى «ان الحكومة أخذت البلد الى الكثير من التوترات والازمات وهي شبه حكومة، هي مجموعة حكومات تجتمع مع بعضها الى الطاولة، وهي في حالة موت سريري». ورد «التوترات والصراعات داخل الحكومة الى انعكاس الأوضاع في سورية وغياب الراعي الإقليمي»، ودعا «حزب الله إلى إعادة القراءة في أدائه على مستوى الدولة ككل والابتعاد من منطق التفرد وإبعاد الآخر». واعتبر ان ميقاتي «ليس سيد نفسه»، وقرار الاعتكاف او الاستقالة «يعود الى حزب الله وبالتالي هو مضطر للبقاء في هذه حكومة سورية في لبنان». واعتبر عضو الكتلة نفسها جمال الجراح ان «دعوة عون الى التظاهر وافتعال ازمة داخلية اصبحا مطلباً للنظام السوري»، مشيراً الى ان «عون يحاول افتعال مشكلة حقيقية في لبنان تؤدي الى فتنة طائفية سنّية شيعية». وقال لمحطة «أخبار المستقبل» ان «ما حصل في جلسة مجلس الوزراء محطة في سياق متكامل، والامور تتفاعل منذ فترة، والرئيس ميقاتي لن يستطيع ان يستقيل لأن من يقرر استقالته هو من اتى به رئيساً للوزراء». واعتبر ان «عقدة العقد عندهم هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجاحاته والمسار الذي يتبعه الرئيس فؤاد السنيورة يقلق عون». واعتبر عضو الكتلة زياد القادري أن «الأزمة التي يمر بها النظام السوري أدت الى تدهور الأوضاع داخل قوى 8 آذار الذين يفاجأون بتصرفات رئيس الحكومة التي تخالف ما اتفق عليه». واعتبر ان «تكتل التغيير يمر بفترة من الإرباك والتضعضع بعدما خسر كل رهاناته السابقة، فهو راهن في فترة من الفترات على الرئيس العراقي السابق صدام حسين وبالأمس راهن على الرئيس السوري بشار الأسد وخسر أيضاً الرهان»، معتبراً أن «الحالة العونية تدخل بمشاكل مع جميع القوى الأخرى حتى مع نفسها نتيجة سقوط الرهانات». واذ رأى أن «تعليق جلسات مجلس الوزراء محاولة من قبل الرئيس ميقاتي لتلميع صورته»، أشار الى أن «العنوان الأساسي لحكومة ميقاتي العزل السياسي لأنها أعادت الانتشار السياسي للنظام السوري في لبنان وضربت النظام اللبناني». تصحيح المسار وقال عضو الكتلة نضال طعمة في تصريح: «مرة جديدة تثبت هذه الحكومة أنها ليست فقط عاجزة عن المضي قدماً بواقع هذا البلد الذي يحتاج إلى رجال دولة بكل معنى الكلمة، فيما يتلهى فرقاء هذه الحكومة بعرقلة مشاريع شركائهم، ويبدو أن فريقاً نجح في الانتقام ممن عارض ملفاته السابقة، عبر عرقلة التعيينات، والنتيجة انفراط عقد مجلس الوزراء، والمزيد من التعطيل لمسار بناء الدولة التي نراها غائبة كلياً ليُترك المواطن في عز أزماته الحياتية والمعيشية ليواجه قدره المجهول». وخاطب ميقاتي قائلاً: «فلتكن استقالتكم محطة لتصحيح المسار لوقف التغرب عن الإرادة الشعبية، ولإعادة الأمور إلى نصابها». واعتبر عضو كتلة «القوات اللبنانية» انطوان زهرا أن «الحكومة خدمت عسكريتها منذ زمن، وتسير من تعثر إلى تعثر أكبر، لوجود تعارض في مصالح مكوناتها، وطبعاً اللبنانيون هم من يدفع ثمن هذا الامر، وهي باقية في الحكم لحاجة النظام السوري اليها». ورأى «ان «التيار الوطني الحر اعتبرها لحظة مناسبة ليأخذ كل المراكز المسيحية في الدولة من خلال التعيينات ويقول انا أمثّل المسيحيين وكأن دوام الحال امر مؤكد»، مشدداً على ان «الحكومات موقتة ولكن الادارات دائمة في لبنان». «التيار الحر» في المقابل، دافع وزراء «التيار الحر» عن موقفهم من التعيينات، ورد وزير الاتصالات نقولا صحناوي على اتهام ميقاتي لوزراء «تكتل التغيير» بتعطيل عمل الحكومة، مؤكداً «اننا نحمّل مسؤولية سير الامور في البلد ببطء الى من يعطل مسيرة الاصلاح وأنا أعكس الاتهام، وما جرى في جلسة مجلس الوزراء ليس بالخطورة التي يتحدث عنها بعضهم، مجرد تباين في الآراء في موضوع مهم جداً وهو التعيينات». وشدد على ضرورة أن «يحاول الفرقاء في الحكومة التعايش مع تكتل التغيير الذي يملك ثلث مجلس الوزراء والشريك المسيحي الأساسي في هذه الحكومة». وقال وزير الثقافة غابي ليون: «لن نقبل بالالتفاف علينا في أمور مهمة من دون الأخذ برأينا»، مشيراً الى أنه لا يمكن البت بالتعيينات المسيحية من دون مناقشتها معنا». وقال: «طلبنا تأجيل الموضوع للتفاهم قبل فرضه ولكن ميقاتي رفض التأجيل وعلّق الجلسات»، موضحاً أن «بعضهم لا يستطيع مواكبتنا بمشروعنا الاصلاحي». واعتبر عضو «تكتل التغيير» سليم سلهب أن «رئيس الحكومة أخذ هذا الموقف في توقيت معين وهو قبل سفره الى باريس، ولكنني أسأله بأي صفة سيذهب الى باريس: كدولة رئيس أم كدولة رئيس معتكف؟». وأكد أنه «لا يمكن ان نكون (التكتل) في مجلس الوزراء صورة ونبدي رأينا فقط بل يجب ان نلعب دورنا ونكون مشاركين في القرارات»، موضحاً ان «على الرئيس ميقاتي ان يقترح الأسماء لكن على الوزراء ان يوافقوا او ألا يوافقوا». وأضاف: «نقول يجب ان نحترم آلية التعيينات وأن نحترم الدستور، ولكن الدستور يقول ان القرار يتخذه مجلس الوزراء وليس رئيس مجلس الوزراء». ورأى عضو التكتل نبيل نقولا ان «هناك نية موجودة لدى بعضهم لعرقلة ما يقوم به التيار الوطني الحر، لأنهم لا يريدون أن يحقق التيار إنجازات، وباعتقاد هؤلاء أن ذلك يمكن أن يؤثر في انتخابات ال2013، هذا ليس هدفنا، نريد بناء دولة، وهم يريدون بناء مزرعة». وقال: «إما نحن في بلد علماني، أو في بلد طائفي، وإذا كنا في نظام طائفي، فلنا كلمتنا في الموضوع»، مذكّراً بأنه «وفقاً لاتفاق الطائف، من حق وزير العدل أن يقترح رئيس مجلس القضاء الاعلى... إلا إذا كانوا يريدون تغيير الطائف». وحمل المكتب الاعلامي للواء المتقاعد جميل السيد في بيان «على تهويل الرئيس ميقاتي بتعليق جلسات مجلس الوزراء بحجة عدم موافقة وزراء العماد عون على بعض التعيينات المسيحية التي اقترحها»، وسأل: «لماذا ينصاع ميقاتي بصورة عمياء للنائب وليد جنبلاط عندما يتعلق الأمر بتعيين أصغر موظف درزي، ولماذا ينصاع بصورة عمياء للكتلة الشيعية عندما يتعلق الأمر بتعيين أصغر موظف شيعي، في حين يمتنع عن التشاور والتجاوب مع الكتلة المسيحية الأكبر، أي كتلة عون، عندما يتعلق الأمر بتعيين موظفين مسيحيين في أعلى مراكز الدولة؟». ودعا ميقاتي الى «وقف سياسة الابتزاز التي يمارسها بهدف إضعاف الاكثرية وتهميش عون عبر استغلال الأوضاع الاقليمية والمراهنة على سقوط سورية».