أكد المشرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور سعيد الأفندي، أن كرسي ولي العهد سيكون مرجعية أخلاقية على مستوى العالم. وقال في حواره مع «الحياة»: «إن الكرسي لديه برنامج متكامل لتعزيز القيم الأخلاقية الإيجابية في المجتمع، وفق رؤية ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي تبنى الكرسي العلمي ووجه بتعزيز القيم الأخلاقية». وأشار إلى أن الكرسي أعلن في وقتٍ مضى، البدء في استقبال الأبحاث والدراسات المتعلقة بالكرسي من خلال محاوره المختلفة. و تحدث الأفندي عن عدد من المواضيع التي تخص الكرسي الذي سيكون مرتكزاً على مكانة المملكة الدينية. وفيما يلي نص الحوار: في البداية نود التعرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية؟ -كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية في جامعة الملك عبدالعزيز أحد الكراسي العلمية القيمة التي تفخر الجامعة باحتضانها، وجاء بتوجيه من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الذي دعا إلى ضرورة تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، وتتلخص رؤية الأمير نايف في حتمية الاستجابة للتحديات التي يواجهها الشبان، والتي تتطلب الحفاظ على القيم الإسلامية في عالم يموج بالصراعات، خصوصاً بعد اتساع دائرة استخدام التكنولوجيا الحديثة في وسائل الاتصال. وللكرسي رؤية مستقبلية تتناسب والمسؤوليات الإنسانية الملقاة على المملكة باعتبارها مهبط الوحي ومركز العالم الإسلامي، إضافة إلى كون الجامعات السعودية مجالاً خصباً لصناعة فكر مرجعي يكون قدوة معرفية وبحثية وأخلاقية على مستوى العالم، فتعزيز القيم الأخلاقية الإيجابية في المجتمع من صميم الواجبات الملقاة على عاتق كل فرد مسلم، والالتزام بالقيم الأخلاقية الإسلامية يجعل شبابنا سفراء للقيم الأخلاقية الإسلامية، من خلال التواصل مع الثقافات الأخرى، خصوصاً وأن لدى المملكة آلافاً من الشبان يتابعون دراستهم بالخارج، وعليهم واجب وطني كبير عبر رسم صورة الشاب السعودي الخلوق الملتزم بمبادئه الأخلاقية رغم المغريات والعوائق التي قد يواجهها. ما هي الآليات التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف الكرسي؟ - الكرسي لديه برنامج متكامل على مدى أربع سنوات، ونحن الآن بصدد استقبال الأبحاث والدراسات العلمية التي تتناول موضوع القيم الأخلاقية، ويتم حالياً إعداد مشروع دليل قيمي أخلاقي بمشاركة عدد من المفكرين والعلماء الأجلاء والباحثين، على رأسهم إمام وخطيب المسجد الحرام ورئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور صالح بن حميد. والكرسي أطلق قبل أسابيع المحاضرة الأولى من سلسلة المحاضرات وكانت بعنوان: «القيم الأخلاقية بين الإسلام الغرب» للدكتور صالح بن حميد، وكانت محاضرة قيمة طبعت في كتاب ونشرت، وشهدت حضوراً لافتاً من العلماء والباحثين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب والطالبات، وتناولتها وسائل الإعلام بشكل واسع. ومثل هذه المحاضرات ينتظر منها الكثير لأنها تحظى بمتابعة إعلامية كبيرة، وستتلوها في الأيام المقبلة محاضرات مماثلة أقربها محاضرة لإمام مسجد قباء الشيخ صالح المغامسي والتي سيتحدث فيها عن القيم الأخلاقية في السيرة النبوية، إضافة إلى أن الكرسي يقوم بحملة إعلامية توعوية واسعة تركز على تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع السعودي. تحدثتم عن إيجاد دليل قيمي كيف سيكون هذا الدليل؟ - من أبرز أهداف كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية إنشاء دليل قيمي يكون مرجعية أخلاقية إنسانية على مستوى العالم، ويتضمن ضوابط ومعايير علمية تجتمع في بوتقة متناسقة تتوافق مع المعايير الأخلاقية لمختلف الثقافات الإنسانية الأخرى، وهو عبارة عن وعاء متكامل يتضمن كل القيم الأخلاقية التي من شأنها أن تعود بالخير على الإنسانية جمعاء. فالإسلام رسالة سماوية سامية جاءت للناس جميعاً وللمجتمعات الإنسانية على اختلاف ألسنتها وألوانها، وينتظر أن يكون هذا الدليل مرجعاً مهماً وشاملاً يسهم في تعزيز قدرة أفراد المجتمع على التمييز بين الثقافات والقيم المختلفة والتواصل والاستفادة مع ما يتناسب مع قيمنا الأخلاقية الإسلامية . ويسعى الكرسي كذلك إلى إعداد منهج تعليمي شامل ومتكامل يُعنى بتعزيز القيم الأخلاقية في مختلف مراحل التعليم العام، وتقديم أبحاث ودراسات تطبيقية للوصول إلى معالجة أسباب انحسار القيم الأخلاقية الإيجابية والحد من انتشار القيم الأخلاقية السلبية، والإجابة عن الكثير من الأسئلة ومنها، هل انحسار القيم الأخلاقية ناتج عن قلة وعي المجتمع بالمنظومة الأخلاقية الإسلامية أم أمور أخرى نتوصل إليها من خلال الدراسات والأبحاث؟ ، والهدف في النهاية هو الوصول إلى نتائج إيجابية يمكن الاستفادة منها في مختلف القطاعات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية في ظل ما يشهده العالم من تطور تقني وتكنولوجي. ما مدى قدرة الكرسي على تحقيق النتائج المنشودة؟ - طبيعة الكراسي العلمية تجعلها تعمل وفق إستراتيجية علمية مدروسة في وسط أكاديمي، والذي أراه أن كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية وغيره من الكراسي العلمية في جامعة الملك عبدالعزيز، تسير وفق منهج علمي أكاديمي سليم وواضح، بفضل الدعم الذي تلقاه من جهة وبفضل الكفاءات المتميزة القائمة عليه من جهة أخرى، كذلك فإن الكراسي العلمية ينبغي أن تحقق نتائجها خلال المدة الزمنية المحددة. ولا يمكن أن نجزم بتحقيق النتائج المنشودة، ولكن في النهاية سيسهم الكرسي في تحقيق الأهداف في إطارها العام والتي ستؤثر إيجاباً على المجتمع على المديين القريب والبعيد، والنتائج مكملة لبعضها بعضاً، والمهم هو تضافر الجهود للخروج بنتائج إيجابية، من خلال نشر الوعي ومعالجة المشكلات والظواهر الأخلاقية السلبية، والاستعداد للمشكلات الأخلاقية التي قد تظهر في المجتمع، فالكراسي العلمية في الجامعات تصب في رافدٍ واحد وهو تقديم حلول ومعالجة مشكلات وقضايا ملحة يعاني منها المجتمع، ولذلك كان كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية يسعى إلى وضع حل لمشكلة انحسار بعض القيم الأخلاقية في مجتمعنا السعودي. ذكرتم تقديم الكرسي لمحاضرة الشيخ صالح بن حميد، لماذا اخترتم الشيخ صالح بن حميد وما أهم ما جاء في هذه المحاضرة؟ - الدكتور صالح بن حميد من العلماء البارزين في بلادنا، وله اهتمام خاص بالقيم الأخلاقية التي يدعو إليها في محاضراته وخطبه ومؤلفاته، وهو إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء ورئيس سابق لمجلس الشورى، ويشغل حالياً رئيس مجلس القضاء الأعلى، وله وزنه كعالم بارز، وقد تلقى دعوة جامعة الملك عبدالعزيز مشكوراً لأستاذية الكرسي رغم مشاغله الجمة رغبة منه في الإسهام في هذا المجال المهم، وسيرة الدكتور صالح بن حميد غنية عن التعريف، فله من الخبرة والحنكة والحكمة والمعرفة ما يجعله الشخص الملائم لأستاذية الكرسي، وكما تعلمون فإن أستاذ الكرسي يقوم بمهام عدة تتلخص في إنجاز برنامج الكرسي العلمي طبقاً للجدول الزمني المحدد، وعليه أيضاً الإشراف على تحقيق المخرجات المتوقعة للكرسي من أبحاث ودراسات وغيرهما من الإنجازات والنشاطات العلمية، إضافة إلى أن أستاذ الكرسي معني بمساعدة ومشاركة الفريق العلمي والبحثي للإلمام بالتطورات والتحديات التي تواجه الكرسي وفعالياته، ويتولى أيضاً ربط الكرسي العلمي بأحد المراكز الدولية المشهورة في مجال عمل الكرسي، وتتمنى الجامعة له التوفيق والسداد في هذه المهمة العلمية القيمة، فقد شرفت الجامعة ومنسوبوها بتوليه أستاذية هذا الكرسي العلمي المرموق. أما المحاضرة التي قدمها في الجامعة في تاريخ 18/1/1433، فتناول فيها القيم الأخلاقية بين الإسلام والغرب وكانت محاضرة قيمة طُبعت في كتيب، وستتم ترجمتها إلى لغات عدة، وهي واحدة من المحاضرات والفعاليات والنشاطات التي ينظمها الكرسي. وتمحورت المحاضرة حول المذاهب الأخلاقية الغربية، كما تناولت أهم الخصائص الإسلامية العظيمة والجميلة التي تعكس روح الإسلام وجماله وجاذبيته، ومنها تميزها بالمصدر الرباني والشمول والعموم والثبات واللزوم، إضافة إلى إقناع العقل وإشباع الوجدان والمسؤولية والإلزام والتكامل في معاملة الظاهر والباطن، وكذلك ترسيخ الرقابة الذاتية وربطها بمعاني الإيمان والتقوى، وأخيراً الجزاء المتمثل في الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة. وأتحف الشيخ صالح بن حميد الحاضرين بالوسائل الثلاث التي تبين حماية الإسلام للأخلاق وهي التربية الإيمانية والتربية الاجتماعية والعقوبات الشرعية ويندرج تحتها أمران، هما الحدود والتعزير. البعض يرى عدم جدوى العلوم النظرية في تحقيق الأهداف على أرض الواقع وذلك واحد من الانتقادات التي تطال الكرسي، ما رأيكم في ذلك؟ - نستطيع الحكم على الكراسي العلمية من خلال النتائج التي تحققها، ولا يمكن التقليل من أهمية الكراسي العلمية التي تهتم بجانب العلوم الإنسانية أو اعتبارها علوماً نظرية فقط، إضافة إلى أن المشكلات والظواهر الإنسانية والاجتماعية لا يمكن معالجتها بالعلوم الطبية أو التكنولوجية فقط، بل على العكس ينبغي أن يكون اهتمام الأبحاث والدراسات على الجانب الإنساني والاجتماعي والنفسي بشكل كبير، لأنها السبيل للحد من الظواهر السلبية في المجتمع. ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه العلوم الإنسانية والاجتماعية في بناء الإنسان وإعداده فكرياً واجتماعياً ونفسياً وثقافياً، وفكرة إنشاء كرس يعنى بالقيم الأخلاقية فكرة جديرة بالاهتمام، ونتمنى أن تتكاثف الجهود الفكرية والعلمية والبحثية التي تمكن الكرسي من تحقيق نتائجه المرجوة وأبرزها رصد أسباب ومسببات ومظاهر انحسار القيم الأخلاقية الإيجابية وانتشار القيم والمفاهيم السلبية في مجتمعنا. ما هي الجهات التي ترشحونها للتعاون من أجل تحقيق أهداف الكرسي؟ - جرت العادة في جامعة الملك عبدالعزيز على فتح الباب لجميع القطاعات، والكرسي جزء من هذا النهج، فالباب مشرع في وجه جميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص سواء من الأفراد أو من المؤسسات أو من الباحثين أو الأكاديميين للإسهام في هذا المشروع الوطني العلمي الهادف، الذي يسعى إلى تعزيز القيم الأخلاقية في وطننا، والقضية تهم الجميع وعلى جميع المستويات. وبتوفيق من الله، تلقى الكرسي طلبات من الكثير من القطاعات التي أبدت رغبتها في التعاون من أجل تحقيق أهداف الكرسي وأذكر لكم على سبيل المثال لا الحصر وزارة التربية والتعليم التي عبرت عن رغبتها في المشاركة في هذا المشروع الهادف، وعقد شراكة فاعلة وتعاون مثمر من أجل بناء المجتمع، إذ عرضت وزارة التربية والتعليم الإسهام في مجالات عدة من بينها العمل من أجل إعداد البحوث والدراسات المسحية والتقويمية والتحليلية والإحصائية، وإقامة لقاءات وندوات ومؤتمرات، وتقديم البرامج التدريبية التي تعنى بالقيم الأخلاقية، إضافة إلى طلب المركز الوطني لأبحاث الشباب التابع لجامعة الملك سعود التعاون من الكرسي في مجالاته، في مجال الأبحاث المسحية على وجه الخصوص، إلى غير ذلك من القطاعات الإعلامية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني التي أبدت استعدادها للإسهام في نشاطات الكرسي المختلفة.