كم من جامعة عربية باستطاعتها اليوم ان تكون مقراً للبحث العلمي الفعال والمنطقي والموضوعي؟ وكم من جامعة عربية قادرة ان تقترح التوصيات والحلول لمشكلات من حجم الأزمة المالية العالمية؟ وكم جامعة عربية هي اليوم مصنفة، من ضمن أي اختصاص، من بين الجامعات المئة الأوائل في العالم؟ شهدت الملكة إليزابيث الثانية كثيراً من الأحداث التي غيرت وجه العالم منذ تتويجها عام 1952، وحتى يومنا هذا، لكن الحدث الاقتصادي الأكبر الذي أقلق الملكة هو الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2008، خصوصاً في ظل تكشف النظام الرأسمالي السائد في العالم منذ مطلع تسعينات القرن العشرين، عن أداء متقلب مقارنة بأنظمة اقتصادية أخرى. وما كان من ملكة بريطانيا إلا ان قامت بزيارة لمدرسة لندن للاقتصاد عام 2009، وأحرجت جميع الخبراء المجتمعين حين سألتهم: «كيف لم تتوقعوا حلول أزمة كهذه؟»، لتستدعى لجنة من الخبراء الاقتصاديين للبحث عن إجابة للسؤال المحير. الملكة لم تقصد مديري بنوك أو صناديق استثمارية، للإجابة على سؤالها، ولم تجمع وزراءها في محاولة للبحث عن إجابة، ولم تتصل برؤساء الدول الذين تعاني بلدانهم مثل بلادها تداعيات الأزمة... جل ما فعلته هو توجيه السؤال إلى الباحثين الاقتصاديين في أهم مدرسة للاقتصاد في العالم، باعتبارهم الوحيدين القادرين على بلورة إجابة علمية بعيدة من الأعذار والتكهنات واللوم. نعم، ان التعليم العالي والبحث العلمي في حاجة إلى وقفة حقيقية ووقفة صادقة تعيد الاعتبار إلى مكانته بعدما تحولت معظم جامعات العرب إلى مبان تتكدس فيها الطلبة، دون أي اعتبار لحاجات السوق والتوازن بين الاختصاصات، لتتحول هذه الصروح العلمية إلى ساحات للصراعات السياسية والعقائدية أكثر من قاعات للإبداع والإنتاج. ولو لاحظنا عدد براءات الاختراع المسجلة في البلدان العربية مقارنة بالدول المتقدمة وبعض البلدان النامية، لوجدنا ضعفاً وتخلفاً في نشاط البحث والتطوير. فعدد براءات الاختراع المسجلة في الولاياتالمتحدة من بلدان عربية وغيرها خلال الفترة 1980-2000 بلغت في السعودية 171 براءة، والأردن 15، والإمارات 32، والكويت 52، وعمان خمس، واليمن اثنتين، ومصر 77، علماً ان نسبة كبيرة من براءات الاختراع المسجلة هي من قبل جهات أجنبية. وفي المقابل بلغ عدد براءات الاختراع في كوريا الجنوبية وحدها على سبيل المثال 16328 براءة وفي إسرائيل 7652. إن الخلل في أنظمة التعليم في العالم العربي من شأنها التأثير سلباً في اقتصاد العالم في الوقت الحالي ومستقبلاً، فالاستثمار الخاطئ في الموارد البشرية والصرف غير المنظم على الصروح العلمية هو خسارة مبطنة، وهو لن يكون يوماً رابحاً في المستقبل طالما أنه لا يعتمد العلمية والتوازن والإعداد الصحيح للأجيال. إنها دعوة إلى إعادة النظر في سياساتنا التعليمية خصوصاً المرتبطة بالبحث العلمي والتعليم العالي، فهي رأس المال الوحيد الذي لا يمكن خسارته، لا بل العكس تماماً، يمكن مضاعفته متى عرفنا كيفية استغلاله. * نائب الرئيس التنفيذي لتطوير العمليات والتسويق في «المزايا القابضة»