قبل مدة، ليست ببعيدة، أثيرت فضيحة ضد إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية، هزت سُمعتها وصدقيتها، بعدما كشفت صحيفة «غارديان» أن أسبوعيته الواسعة الانتشار «أخبار العالم» نشرت تفاصيل خطيرة عن مقتل شابة بريطانية عبر التنصت غير الشرعي على هاتفها الشخصي وعلى مكالمات عائلتها، ما أثار موجة من السخط الشعبي وردود فعل سياسية قوية طالبت بإجراء تحقيق في البرلمان وتقديم المسؤول عنها إلى القضاء. السؤال الآن هل سيُدان مردوخ على جرائمه باعتباره صاحب المؤسسة أم وكما سبق له أن فعلها من قبل، سيُسرع إلى إلقاء المسؤولية على أحد محرري الصحيفة، وسيقول محاموه؛ إنه تعاون مع أحد «الأشرار» وحصل على معلومات «خاصة» من دون علم مديريه... وبهذه الطريقة يكون قد قَدم كبش الفداء المطلوب ليتحمل بدلاً عنه تبعات خروقاته القانونية والمهنية، ليعود بعدها ويجلس على عرش إمبراطوريته سالماً؟ في الوثائقي التلفزيوني «أخبار سيئة»، أرادت الصحافية الأسترالية سارا فيرغسون كشف المزيد عن مؤسسة مردوخ وما إذا كانت، حقاً، تلجأ وفي شكل منتظم إلى مجرمين وذوي سوابق للحصول منهم على معلومات مهمة، يثير غالباً نشرها على أولى صفحات الجرائد اهتمام الناس، فيسرعون إلى اقتنائها (الجرائد)، ما يؤمن شعبيتها وسِعة توزيعها؟ للإجابة على كل هذه التساؤلات رجعت فيرغسون إلى الوراء عشرين عاماً وراحت تبحث عن حقيقة العلاقة بين رجال «العالم السفلي» وإمبراطورية مردوخ. وتوصلت عبر سجلات الشرطة إلى أن العلاقة بين المجرمين والمؤسسة تعود إلى الثمانينات عندما اتصلت صحيفة «أخبار العالم» بالمجرم يوناثان ريس بعد خروجه مباشرة من السجن، وطلبت منه التعاون معها بخاصة أن له علاقات جيدة برجال الشرطة لعمله معهم ك «محقق جزئي». ومن خلاله استطاع الحصول على معلومات تهم وسائل الإعلام كما ساعدت رِشاه المقدمة إلى بعضهم علىالوصول إلى سجلات المواطنين المحفوظة بكودات خاصة لا يمكن العامة الوصول إليها. ضحايا في أواسط الثمانينات أسس ريس مكتباً مع شريك له لبيع المعلومات إلى وسائل الإعلام، ووفق الكاتب غراهام مكلغان فإن مردوخ طلب من مساعديه العمل معه. ويشير إلى أن أحد محرريه ويدعى أليكس مورانشالك اتصل به وحصل منه على معلومات مقابل المال، ونقل بنفسه تصريح ريس: لا أحد يدفع مثل «أخبار العالم». كان ضحايا ريس من السياسيين والرياضيين والمشاهير ومن أجل الإيقاع بهم كان يستخدم وسائل التهديد والابتزاز أو تلفيق تهم قانونية ضدهم، وكانت كل هذه الوسائل تثمر عن أخبار تصل إلى المؤسسة وتحصل مقابلها على مبالغ كبيرة. يتشعب الأمر في وثائقي «أخبار سيئة» الذي بثه التلفزيون السويدي ضمن برنامج «وثائقي من الخارج» إلى مؤسسات صحافية أخرى استخدمت الأسلوب ذاته، مثل «ديلي ميرور» التي أرادت تلفيق فضيحة ضد الستر كامبل المسؤول الإعلامي لرئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير. في شهادته قال إن «أخبار العالم» كانت أكثر حماسة في الحصول على «الخبر»، ولهذا ذهبت إليهم وطلبت منهم شراء ما عندهم بمبلغ كبير من المال. يُبَيّن الوثائقي أن ريس كان يعمل لدى ثلاث صحف بريطانية في الوقت ذاته، فالحاجة للأخبار والتسابق عليها ليست لهما حدود. كما يعزوها أحد العاملين في مؤسسة مردوخ إلى الحاجة الدائمة للبقاء في المقدمة. فصحيفة تصدر أسبوعياً عليها تقديم أخبار مختلفة كلياً تُعوّض تأخرها عن الصحف اليومية. واعترف باستعانتهم بمكاتب تحقيق خاصة تؤمن لهم أخباراً جيدة، لكنه أقر في الوقت ذاته بأنه ومع مرور الوقت أصبح الأمر خارج عن السيطرة. فضيحة تعود سارا فيرغسون بعد مراجعة تاريخ العلاقة بين المجرمين والمؤسسة الإعلامية العملاقة والتي تقدر ثروة صاحبها بالبلايين، إلى تسجيل ردود الفعل بعد استجواب مردوخ وتنقل عن الصحافي نيك دانيس مكتشف الفضيحة قوله: «قلت لرئيس التحرير ربما ستكون هذه أكبر فضيحة إعلامية لحد الآن، غير أنني في الواقع لم أكن منتظراً ردود فعل شعبية بهذه القوة وغضبهم الشديد من تنصت الصحيفة وفي شكل مؤلم على تسجيلات هواتف شابة قتيلة. لقد وصفوا عملهم بالعار. والأكيد أن مؤسسة مردوخ خسرت الكثير، كما أن عدداً كبيراً من أعضاء البرلمان غيروا مواقفهم منها». وحول سياسة مردوخ في التخلص من المآزق قال الصحافي السابق في «أخبار العالم» بول مكمولن: «إن وضع اللائمة على صحافي واحد ممارسة شائعة في المؤسسة، فشعار مدرائها كان دائماً «دعوا الآخرين يذهبون إلى السجن لكن ليس نحن». وجواب مردوخ على سؤال أحد الصحافيين بعد خروجه من التحقيق، في ما إذا كان يجد نفسه مُذنِباً، يعبر عن هذه السياسة، إذ قال له بوضوح وكما هو منتظر: لا، بل هؤلاء الذين منحتهم ثقتي بإدارة المؤسسة». ترى هل سينجح تكتيكه القديم هذه المرة، أيضاً؟ بهذا السؤال تختتم فيرغسون وثائقيها «أخبار سيئة» وتضيف إليه لقطة تلفزيونية أخيرة يظهر فيها مردوخ أمام حشد من الصحافيين ليقول لهم: «أنا أعتذر، ليس عندي أكثر من هذا لأقوله!».