في ضوء التعثر الاقتصادي الذي تشهده الدول العربية باستثناء دول الخليج، وفي ضوء التباين في المستوى الاقتصادي ونسب النمو المتحققة والمتوقعة في المنطقة، يرد سؤال يتعلق ببعدين مهمين، يتناول الأول إمكان تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية ذات الفوائض المالية وتلك التي تحتاج إلى تدفق للاستثمارات وتوجد فيها فرص واعدة، أما البعد الثاني فيدور حول إمكان إطلاق مشروع إقليمي تتعهد فيه الدول الخليجية بمساعدة الدول الأخرى التي تحتاج إلى مساعدات خلال الفترات الانتقالية. في ما يتعلق بالتعاون الإقليمي، فإن التغيرات المرتبطة سواء ب «الربيع العربي» أو الأزمة الاقتصادية العالمية والأزمة الأوروبية على وجه التحديد كشفت عن أن ما كان يصنف على أنها دول ومناطق آمنة للاستثمار لم تعد كذلك، فنظرة سريعة إلى الدول الأوروبية تشير إلى أن هناك أكثر من دولة في مهب الريح. ولا تختلف الأوضاع في الاقتصاد الأكبر عالمياً (الولاياتالمتحدة) عما هي عليه في أوروبا، فالدولار، الذي لا يزال حتى الآن يعتبر الملاذ الآمن، يفقد بريقه، وليس واضحاً بعد كيف سيمكن للولايات المتحدة الخروج من أزمة الدّين والعجز. في موازاة هذه التغييرات العالمية المهمة ينتقل عدد من الدول العربية إلى مراحل سياسية جديدة تشير إلى إمكان تحقيق استقرار طويل المدى. هذا الاستقرار في تونس ومصر والمغرب يفتح آفاقاً جديدة في الاستثمار، فهناك إعادة تموضع للفاعلين الاقتصاديين في ظل الأنظمة الجديدة التي ستعتمد أكثر على المنافسة وتحد من المحاباة والفساد، وهذا يعني تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على إطلاق استثماراتهم وتحرير مدخراتهم. وإذا أردنا التفاؤل فإن الاستقرار يمكن أن يساهم في تنويع الاقتصادات بعيداً من القطاعات التقليدية فيمكن أن يدخل المستثمرون في قطاعات جديدة كانوا يتجنبونها في ظل الحكومات السلطوية التي تميزت بدرجات متفاوتة من الفساد ولم تكن تشجع الاستثمارات الطويلة المدى والتي تتطلب تحضيرات والتزامات مختلفة عن رأسمالية الصفقات التي كانت سائدة. وفي ضوء حقيقة أن هناك فرصاً واعدة وفوائض مالية على مستوى المنطقة العربية، يرجح أن يعزز تأمين البيئة الاستثمارية المناسبة، مجالات التعاون الإقليمي ويسهّل الإجراءات الجمركية وغير الجمركية وكلفة التبادلات بين هذه الدول من خلال تأمين ضمانات استثمارية، وهي خطوة يبدو أن مجلس التعاون الخليجي يفكر فيها في إطار تعزيز العلاقات مع كل من المغرب والأردن. وفي إطار التعاون الإقليمي هناك مشاريع تتعلق بتطوير بعض مجالات البنية التحتية في مجال الاتصالات، المواصلات البرية والسكك الحديد، مشاريع الطاقة والكهرباء والربط الثنائي، وهذه قطاعات يمكن تطويرها على أسس تجارية تخدم مصالح الأطراف المنضوية تحت لوائها، ويمكن تأمين التمويل لها بسهولة على أن يسبقها إعداد لدراسات متخصصة والترويج لها تجارياً، ليس فقط كمشاريع «وحدوية»، بل كمشاريع تضم مساهمات من القطاع الخاص وتستفيد من تجربته في مجال تنفيذ الأعمال وإدارة المشاريع. البعد الثاني الذي نتطرق إليه هو المتعلق بما يمكن وصفة ب «خطة مارشال»، في محاكاة للخطة الأميركية لمساعدة أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي الحقيقة أن الشروط الأولية لمثل هذا المشروع لا تتوافر في الدول العربية، إذ ليس هناك مشروع سياسي موحد أو توجه اقتصادي ذو مرجعية فكرية أو تقبل واضح لتنفيذ الفكرة، فهناك اتجاهات وتجاذبات تبرز في ضوء الانتخابات الجديدة، ولا يوجد نمط يمكن السير عليه أو مؤسسات عمل عربي مشترط يمكنها التنفيذ، وحتى البعد المؤسسي داخل الدول التي يفترض أن تستفيد من هكذا مشروع، لا تملك رؤية واضحة تخاطب بها دول الفوائض المالية. لذلك فإن إمكانات تعزيز التعاون الإقليمي بما يخدم المصالح المشتركة للكثير من الإطراف تعتبر أكثر واقعية من فكرة مشروع شبيه ب «مارشال» نظراً إلى الواقع في الدول العربية، ويمكن لبعض مشاريع التعاون الإقليمي في مجالي الطاقة والمواصلات أن تمهد لنوع من التكامل العربي الذي لم يتعد خلال العقود الخمسة الماضية اللغة الإنشائية نظراً إلى افتقاره أدوات التنفيذ وغياب دور القطاع الخاص في شكل فعلي عن التنفيذ والأهم ان ذلك كله الرؤية السياسية الواضحة. * باحث في مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط - بيروت