يبدو أن المشتري أصبح ضحية نجاحه ككوكب سيّار. إذ تكشف حسابات حديثة متطوِّرة أن الكوكب الأضخم في نظامنا الشمسي، الذي يزن مرتين مجموع أوزان الكواكب الأخرى كلها، قد دمَّر جزءاً من نواته الصلبة الداخلية! وللمفارقة، فإن المذنِب المباشر ليس سوى الهيدروجين والهيليوم اللذين نجحا، خلال فترة تشكّل الكواكب السيّارة في نظامنا الشمسي، في تحويل المشتري عملاقاً غازياً. فحينها، استقطبت جاذبية نواته هذين العنصرين. في المقابل، أشارت الاكتشافات إلى أن الكواكب السيّارة الضخمة خارج المجموعة الشمسية لا تملك نواةً صلبة على الإطلاق. عملاق يحوّل الغاز ماءً يطلق علماء الفلك على كوكب المشتري تسمية العملاق الغازي، لأنه يتألف في معظمه من الهيدروجين والهيليوم، وهما نوعان من الغاز نجدهما أيضاً على كوكب الأرض. لكن، في المشتري، تسحق الضغوط الهائلة الناتجة عن جاذبية الكوكب معظم الهيدروجين لتحوّله سائلاً معدنياً تسير فيه الكهرباء. ويحيط الهيدروجين والهيليوم بنواة مركزية من الحديد والصخور والجليد. كما أن هذه النواة تزن قرابة 10 أضعاف وزن الأرض، وليست سوى عنصر صغير في باطن المشتري الذي يزن 318 أرضاً. وقد أجرى هيو ويلسون وبوركهارد ميليتزر، وهما عالِمان في الكواكب من «جامعة كاليفورنيا» في بيركلي، عمليات حسابية متطوّرة، لمعرفة ما يحدث حين يُغمر أكسيد المغنيسيوم، وهو أحد المكوِّنات الرئيسة لصخور نواة المشتري، في سائل مُكوّن من مزيج الهيدروجين والهيليوم. وتصل درجة الحرارة في النواة إلى ما يقارب 16 ألف كالفن، بمعنى أنها أكثر سخونة من سطح الشمس، فيما يبلغ الضغط فيها قرابة 40 مليون غلاف جوي. ومن الواضح، أنها ظروف شديدة إلى درجة يستحيل على أي اختبار أن يحاكيها. ووفق حسابات فريق ويلسون وميليتزر، أظهر أكسيد المغنيسيوم قابلية مرتفعة للذوبان، ما يعني أن الصخور الصلبة في نواة كوكب المشتري تتحوّل سوائل، وفق ما أفاد الفريق في بحث نشرته مجلة «فيزيكال ريفيو لترز»، على رغم أن معدل التآكل لم يحدّد بدقة. وفي وقت سابق، أجرى ويلسون وميليتزر عمليات حسابية أظهرت أن مُكوّنات أخرى في نواة كوكب المشتري تذوب أيضاً. وتالياً، قد لا تكون نواة المشتري كبيرة حاضراً، بالمقدار الذي كانت عليه عند تكوّن الكوكب. وفي هذا الشأن، أوضح ديفيد ستيفنسون، وهو مختص في الكواكب من «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا»، أن الاختبار الجديد بالغ الأهمية نظراً إلى أن العلماء يريدون أن يعرفوا كيف تبدّل المشتري مع مرور الوقت. وأوضح ستيفنسون أن في حال استطاع العلماء معرفة هذه الأمور، فقد يتوصلون إلى اكتشافات مفيدة جداً حول شكل المشتري عند تكوّنه. هل كان حينها، يتمتع بنواة ضخمة؟ وإن صحّ الأمر، هل كان بحجم كتلة عشرة كواكب أرض، أو خمسة عشر، أو خمسة؟ في عام 2016، سيجول مسبار «جونو» الذي أطلقته «الوكالة الأميركية للطيران والفضاء» (ناسا) في مدار حول المشتري. ويُتوقّع أن يُرسل بيانات عن باطن هذا الكوكب، تتعلّق خصوصاً بحقل جاذبيته، وهي التي ترتبط بنواته وكتلته أيضاً.