اذا كان معيار نجاح اي برنامج تلفزيوني يتعرض الى موضوع من التاريخ القريب، هو بتمكنه من الظفر بمقابلات خاصة مع اولئك الذين صنعوا احداث ذلك التاريخ، فإن البرنامج الوثائقي «بوتين، روسيا والغرب» الذي تعرضه القناة الثانية ل«هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) مساء كل خميس، حقق اعلى درجات النجاح الممكنة. فقائمة ضيوف الحلقة الاولى، تثير الاعجاب، من أبرز اعضاء الحكومات الروسية في العقد الماضي، الى وزراء خارجية اميركيين سابقين مثل كولن باول وكوندوليزا رايس، الى رؤساء دول اوروبية، مثل الرئيس الالماني السابق غيرهارد شرودر وغيرهم... حتى ان بوتين نفسه، الذي يركز البرنامج على سيرته المثيرة للجدل، كرجل روسيا الاقوى، ظهر في برنامج «بي بي سي»، مقدماً شهادته على تلك السنوات. وعلى رغم ان هذه الشهادة بدت غريبة ضمن سياق البرنامج العام، لأن كل المؤشرات تؤكد ان الرجل لن يختفي قريباً من الحياة السياسية لبلده (علاوة على انه يتقلد ثاني اهم منصب في الدولة الروسية)، فإن شهادات عدد من زملائه، بدت وكأنها، مثل زمنهم، تنتمي الى الماضي. فصاحة بوتين لم يعرف عن بوتين الفصاحة. لم تكن «الخطابة» التي ستدفعه للمقدمة في بداية صعوده السياسي، ولن تزيد سنوات الحكم الطويلة خبرته في هذا «الفن». هو يبدو غالباً كمن يحدث نفسه. يتجنب كثيراً النظر مباشرة الى متحدثيه، ليركز ببصره على نقطة معينة، ما جعل الحوار الطويل الذي اجراه البرنامج البريطاني معه، اقل الدقائق اثارة، رغم ان البرنامج كله، كان يدور في فلك سياسته القوية، إذ انطلقت الحلقة الاولى من بدايات حياته السياسية بعدما خلف رئيس روسيا السابق بوريس يلتسن. لكنّ البرنامج لم يرجع الى شباب «بوتين» وصعوده السياسي السريع ليكون خليفة الرئيس الاول لحقبة ما بعد الشيوعية، وكأن القائمين عليه اختاروا ألا يتعرضوا لتلك السنوات، او ربما لم ينجحوا في الحصول على مواد ارشيفية للضابط السابق في جهاز المخابرات الروسية (كي جي بي). يهتم البرنامج بالمحطات الصعبة التي واجهتها رئاسة بوتين (بدأت عام 1999 وانتهت عام 2008، ليتسلم بعدها منصب رئاسة الوزراء)، والتي بدأت على المستوى الدولي مع تفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، فهي كما يقول وزير الدفاع الاميركي السابق كولن باول، كسرت معظم جليد الحرب الباردة بين بلده وروسيا. كما أن المكالمة التي أجراها مع بوتين، بعد ساعات فقط على التفجيرات، كشفت عن الموقف الروسي المساند تماماً للحكومة الاميركية في ما ستتخذه من خطوات مقبلة. هذا الموقف سيتغير قليلاً مع حرب الولاياتالمتحدة الثانية في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين، فروسيا انضمت الى المانيا وفرنسا في رفضهما للحرب على العراق، من دون ان يغير هذا شيئاً من قرار الحكومة الاميركية في المضي بحربها. يتعرض البرنامج ايضاً، الى سياسة بوتين الداخلية، وصراعه مع اغنياء النفط الروس، والحرب التي اندلعت في الشيشان، ووصلت بعض نيرانها الى موسكو. ويسترجع الاعمال المسلحة التي قام بها شيشانيون ضد الدولة الروسية، والعنف المبالغ به الذي استخدمته الحكومة الروسية ضدهم. نميمة واذا كانت المقاربة العامة للبرنامج تميل الى الجدية، غير ان بعض حوارات الضيوف يكشف كثيراً من التفاصيل الصغيرة التي يفجر بعضها الضحكات. فوزير الدفاع الروسي السابق سيرجي إيفانوف، يكشف عن محاولة لحركة طالبان للاتصال بحكومته اثناء الحرب الاميركية على افغانستان في عام 2001، لتعرض على روسيا التحالف معها ضد العدو الاميركي الواحد. الوزير نفسه، اكتفى وقتها برد، حمله احد معاونيه الى ممثل الحركة، يتضمن كلمة نابية واحدة، لكنها ستكون باللغة الانكليزية! روايات أخرى، بدت اشبه بقصص النميمة التي تهتم بقصص نجوم الفن. فمثلاً، وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، والتي كانت تجلس خلف رئيسها في مسرح موسكو الضخم خلال عرض خاص لباليه كسارة البندق، تلقت عرضاً من وزير الدفاع الروسي سيرجي إيفانوف، كي تترك المسرح من دون ان يشعر بها احد، وتذهب معه الى مسرح خاص يعرض «باليه عصرية». والطريف ان مساعدي الوزير الروسي سجلوا المغامرة على شريط فيديو عرض البرنامج البريطاني مقاطع منه.