«متعايشون مع الإيدز في ذمة الحياة»، هذه هي حال الكثيرين ممن تعرضوا في الأردن لفيروس نقص المناعة المكتسبة، فاختبأوا في دهاليز الزمن بانتظار معجزة الشفاء، أو اللحاق بمن سبقهم إلى الدار الآخرة. على أبواب الثامنة والعشرين سنة تقف الأردنية رحمة التي أصيبت بالفيروس من طريق نقل الدم، لتروي حكايتها مع «الموت البطيء». وبقليل من الأمل تجر المصابة التي تستخدم اسماً مستعاراً جسدها النحيل باتجاه مركز «المشورة»، للحصول على علاج علّه يسكن أوجاعها، لكنه لن يطفئ نار الحسرة في داخلها، كما تقول. تقطع الطرق الضيقة في أحد الأحياء الفقيرة المحاذية لعمان الشرقية، وتجتر أثناء دخولها إلى المركز حزنها على ما آلت إليه من أوضاع. تقول ل «الحياة»: «أصبت بالإيدز عند مراجعتي المستشفى في إحدى الدول الأجنبية، حينها كنت برفقة زوجي». وتمضي في شرح قصتها: «كنت أعاني من آلام متعددة. تضمن العلاج وضع وحدات من الدم في جسدي، لكن تلك الوحدات قضت على مستقبلي، وقتلت أحلاماً كثيرة طالما تمنيت تحقيقها». وتسترسل الزوجة المصابة في سرد فصول حكايتها، معتبرة أن تفهم زوجها لما جرى ووقوفه إلى جانبها خففا الكثير من آلامها. «لن يغلبني الألم، ولن يفت من عضدي» تؤكد رحمة، التي باتت تفكر وزوجها جدياً بالإنجاب. لكنها تحاول جاهدة إخفاء معاناتها عن المجتمع، الذي «قد ينال من سمعتها، وينعتها بأقسى الألقاب». وبينما يتحدث البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز التابع لوزارة الصحة الأردنية عن إستراتيجية تدعو إلى إزالة الوصم والتمييز ضد المتعايشين، يسعى المصابون إلى إخفاء أوجاعهم وحبس آهاتهم خوفاً من الأحكام المسبقة. قصة أحمد (28 سنة) مع الإيدز لا تختلف كثيراً عن حكاية رحمة، فكلاهما تجرع نقص المناعة نتيجة «إهمال طبي». انضم أحمد إلى سجلات المصابين بالإيدز محلياً، بعد دخوله أحد المستشفيات الأردنية الحكومية، وتعرضه للحقن بدم ملوث. يقول: «أصبت بالفيروس حينما كنت في الخامسة من عمري. رحت ضحية خطأ طبي، ومع ذلك لم أسلم من نظرات المجتمع الاتهامية، ولم أحصل على أدنى حقوق البشر». وتتجسد مأساة أحمد حينما يراجع المستشفى لتلقي الحقنات الدورية، إذ «يصطدم بتخوف الكوادر التمريضية من الاقتراب منه»، وكأنه «وباء مقرف». وبينما يطالب الشاب بموقف حازم من وزارة الصحة حيال الوصمة الاجتماعية والتمييز ضد المصابين، تؤكد الوزارة من جهتها سعيها إلى تحقيق ذلك. ويتابع وهو يخنق عبراته: «لسنا بحاجة للظلم. ما أحوجنا للابتسامة والدعم النفسي والاجتماعي لمواصلة الطريق». وعلى أنقاض ما تبقى من حياة، تستذكر فاطمة (27 سنة) السبب الحقيقي لإصابتها بالإيدز. فبعد سنوات من الحياة الزوجية والأسرية الهادئة «لم يتورع الزوج عن خيانة زوجته والتقاط الفيروس ثم نقله لها!». وتحاول «الضحية» لملمة أوجاعها وتناسي الماضي. وبكثير من الأسى تقول ل «الحياة»: «خيانته نقلت لي الوباء. لا أعرف الذنب الذي اقترفته بحق زوجي ليكافئني بالخيانة والألم». وتواجه الزوجة ظلماً من نوع آخر يتمثل في «تنكر المجتمع ونظرته المحتقرة لمريض الإيدز، ما يمثل عقوبة أخرى للمصاب لا يقوى على تحملها». محمد (29 سنة) الذي فر من شبح المرض متغلباً على محنته بتعلم خصائص الفيروس والبحث في أسبابه وطرق الوقاية منه، استحق خلال فترة قصيرة لقب «مثقف جنسي» منحه إياه البرنامج الوطني الأردني لمكافحة الإيدز. في أحد مكاتب البرنامج الوطني، جلس محمد يتحدث عن نظرات المجتمع التي تلاحق المتعايشين مع الفيروس، ولا تكاد تخلو من الشك. «لست الوحيد الذي أخطأ في حياته»، حرص المثقف الجنسي الشاب على القول، بعدما أصيب بالمرض نتيجة ممارسات خارج نطاق الزوجية. وفي لحظة صمت اتسعت عيناه حزناً، وقال: «تعلمت دروساً كثيرة من تجربتي، ما دفعني لأن أكون شخصاً إيجابياً يقدم العون للآخرين». ويضيف: «أسعى إلى توعية الناس بأخطار المرض، من خلال مشاركتي في الدورات الصحية على مستوى الأردن والإقليم». سامي المحمود رئيس «جمعية النظرة الإيجابية للمتعايشين مع الإيدز»، يتحدث عن جمعيته التي أنشئت «لرعاية المصابين ومكافحة التمييز الواقع عليهم». ويقول ل «الحياة» إن الجمعية التي تضم في عضويتها ما يزيد على 50 متعايشاً «تعنى بتقديم الخدمات اللوجستية للمصابين من خلال إحالتهم للأطباء، وتأمين ما يحتاجونه من علاجات، وتحويل المشتبه بإصابتهم إلى مراكز المشورة والفحص الطوعي». ويشير إلى أن جمعيته التي أنشئت أخيراً تعتمد على تبرعات تقدمها وزارة الصحة والمسجلون في عضويتها، للقيام بمشاريع تثقيفية. مدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الأردنية الدكتور بسام حجاوي، يؤكد ضرورة احتواء المصابين وأسرهم، معتبراً أن الممارسات خارج إطار الزوجية هي السبب الرئيس وراء الإصابات في الأردن. ويقول ل «الحياة» إن مريض الإيدز «يحتاج لمن يمد إليه يد العون والمؤازرة، والدعم النفسي والاجتماعي، وهو ما تقدمه الوزارة بالتعاون مع جمعيات أهلية». ويؤكد حجاوي أنه تم زواج عشرة من الشبان المصابين بالمرض، الذين يخضعون لإرشادات الأطباء عند ممارسة العملية الجنسية، إذ ينصحون بارتداء الواقي الذكري، واللجوء إلى وسائل أخرى وقائية. ويستطيع المتعايشون الإنجاب من طريق اللجوء لعمليات أطفال الأنابيب، التي تخضع لعمليات أخرى تتمثل في غسل طبي للحيوان المنوي والبويضة، وفق إصدارات طبية يتم توزيعها على المصابين. وتظهر أحدث أرقام صادرة عن وزارة الصحة في الأردن إصابة 857 شخصاً منذ تسجيل أول حالة عام 1986، غالبيتهم من فئة الشباب. ورصدت الوزارة عام 2009، 71 إصابة بين أردنيين ووافدين، في حين سجلت عام 2010، 70 إصابة، واكتشفت العام الماضي 69 إصابة جديدة. وتحتل العاصمة عمان المركز الأول في تسجيل الإصابات، تليها محافظات إربد، فالزرقاء، ثم البلقاء، والمفرق.