هناك تخصّصات تنفتح على العمل في مجال ثقافة الكومبيوتر. تبرز الحاجة حاضراً لخبراء في المعلوماتية يستطيعون التعامل مع العلوم الإنسانية أيضاً. لا تأتي هذه الحاجة من مجرد السعي لاسترجاع المعلومات تمهيداً للعمل على تفسير النص وتحليله، إذ تنبغي الاشارة أيضاً إلى ان السعي للتعاون بين خبراء الكومبيوتر والعلوم الإنسانية، لم يأت من قِبل هذه الأخيرة. سار الأمر على العكس كلياً. فلم يعتقد خبراء الكومبيوتر أن الحاسوب يعالج النصوص فعلياً. ومنذ البداية، تصوّروا أن الحاسوب مصمّم للعمل مع العلوم الصحيحة وحساباتها ومعادلاتها. ولكن التطور في عالم الشبكات الرقمية، دفع المعلوماتيين إلى الإشتغال على النصوص، خصوصاً عبر الشبكات الاجتماعية. لقد بدأ المعلوماتيون المتخصّصون في معالجة النصوص، في دخول ميادين العلوم الإنسانية، مدركين أنهم يستطيعون حاضراً استثمار 70 في المئة من قدرات الحاسوب. ان الانفتاح العلمي بين الإنسانيات والمعلوماتية يأتي من ان الباحثين الشباب في علوم الحاسوب (على غرار معظم طلاب الجيل الحاضر)، يصبحون أكثر إتقاناً للمعلوماتية، عندما ينخرطون في العمل على أتمتة العلوم الإنسانية. ثمة طموح لم يعد مضمراً لتأسيس «ثقافة كومبيوتر» تعتمد على تغلغل التفكير المعلوماتي في النسيج الاجتماعي. بقول آخر، لم يعد النمط الكلاسيكي في التعامل مع العلوم الإنسانية هو الميل السائد حاضراً. بانتظار انفتاح عربي بأثر التقنية الرقمية، برزت تعددية في طبقات التفسير، تتوازى مع تزايد الأدوات الذكية المستخدمة في الإنسانيات الرقمية، مثل المسح الضوئي الرقمي للنصوص، والترجمة الآلية، والترابط بين الكلمات في الجمل وغيرها. في هذا السياق، تصبح المُدوّنات الإلكترونية والشبكات الإفتراضية الاجتماعية، جزءاً من عملية تغيير واسعة في التفكير البشري. يظهر انفتاح على «الإنسانيات المعلوماتية» في مختبرات المؤسسات الاميركية، وفي الشركات اليابانية، وبعض مراكز البحوث الأوروبية. وما زالت في بداية الطريق في العالم الفرنكوفوني عموماً. لكن، من المستطاع القول انها غير موجودة في العالم العربي. ثمة بدايات ربما كانت فعّالة، مثل إدخال مادة المعلوماتية كمادة أساسية في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، إضافة الى إنشاء اختصاص متكامل عن «الإنسانيات المعلوماتية» في قسم علوم اللغة والتواصل في الجامعة اللبنانية. إنها بدايات متواضعة، لكنها تستجيب لحاجة لا تتوقف عن التعاظم.