سجل موسم الحج الأخير نقلة نوعية من ناحية الاستفادة من التقنية والاتصالات المتطوّرة، عبر استغلالها في توجيه الحجيج أثناء تأدية المناسك، وتوعيتهم بالممارسات الخاطئة، وطرق تأدية المناسك بصورة دقيقة، وهو ما دفع إلى إطلاق مصطلح «الحج الذكي» عليه. ومن المعلوم أن موسم الحج يحتاج إلى قدرات عالية لتنظيم حركة ملايين البشر في مكان مفرد، ودعم التواصل الدائم بينهم من جهة ومع مديري حملاتهم من جهة أخرى. أضف إلى ذلك كثرة المناسك وتعدد المواقيت المكانية والمزارات واختلاف نسك الحج وقلة إلمام بعض الحجاج بالمناسك وغيرها. ويؤدي هذا إلى اضطراب في انسيابية المناسك، وتدافع الحجيج، وتعريض سلامتهم للخطر. لذا، برزت أهمية المُكوّن المعلوماتي والشبكي في تنظيم موسم الحج. واستخدمت السلطات السعودية هذا العام نظاماً للتفويج الذكي للحجيج، يتكوّن من اتّصالات لاسلكية وشبكة حاسوب مزودة بقواعد للبيانات وبرامج خاصة، وأجهزة تصوير، وكاميرات تلفزيونية، ووحدة تحكّم رئيسية مرتبطة بشبكة الإنترنت. واستخدم هذا النظام في التحكّم في الحشود وتوجيهها بصورة متواصلة، ما حقق انسيابية في حركة الحجاج، كما حدّ من تدافعهم، خصوصاً عند الطواف ورمي الجمرات. «يقظ» لمراقبة سائقي الحافلات ومن البرامج التي ساهمت في بناء منظومة الحج الذكي برنامج الفحص الطبي «يقظ» الذي استخدمته وزارة الصحة السعودية لاختبار سلامة سائقي الحافلات، فأظهر أن 32 منهم تناولوا منشطات محظورة. وزرعت السلطات أكثر من 1500 كاميرا فيديو في أماكن حيوية في الحرمين والمشاعر المقدسة وجسر الجمرات والأنفاق. وأمدّت الكاميرات المنظومة بمعلومات دقيقة عن تحرك الحجيج وكثافة أفواجهم. وارتبطت المنظومة بشبكة للاتّصالات اللاسلكية استخدمها 63 ألف رجل أمن، في تنظيم موسم الحج هذا العام. وقد شكلت الاتّصالات اللاسلكية ركيزة أساسية لأعمال القيادة والسيطرة والتنسيق بين الفرق المساندة مثل الأمن الجنائي والمرور والدفاع المدني ووحدات الطوارئ والفرق الطبية والحاسب الآلي والمراقبة التلفزيونية. كما اعتمدت المنظومة المعلوماتية ل «الحج الذكي» على الأقمار الاصطناعية وتقنية «باركود» في احتساب عدد الحجاج، وإعطاء فريق التفويج معلومات عن كثافة الحشود في شوارع جسر الجمرات وطوابقه. فمثلاً، عندما تتجاوز الكثافة خمسة أشخاص في المتر المربع، فهذا ينذر بخطر تدافع الحجيج وتساقطهم. وهنا تقوم قوات الأمن بإعادة توجيه الحجاج لشوارع أخرى أو أدوار أخرى لجسر الجمرات. كما عمدت السلطات السعودية إلى إشراك الحجيج في إنجاح موسم الحج، وبثّت الإدارة العامة للعلاقات والإعلام أكثر من 50 ألف رسالة توعوية للحجاج عبر الخليوي وأقنية التلفزيون وشركات الطيران. وتبنّت إمارة منطقة مكةالمكرمة بالتعاون مع شركة «موبايلي» والرئاسة العامة لشؤون الحرمين حملة لتوعية الحجيج عنوانها «الحج عبادة وسلوك حضاري». تعليم المناسك عبر «فيسبوك» و «تويتر» ووظّفت وسائل الإعلام الجديد مثل «فايسبوك» و «تويتر» ورسائل الخليوي لتعريف الحجيج بالطريقة الشرعية لتأدية المناسك وحضّهم على تجنب التصرفات الخاطئة ولا سيما مزاحمة الحجيج أثناء تأدية المناسك، والحج من دون تصريح وافتراش الطرقات. كما أمدّتهم بمعلومات عن وسائل الأمن والسلامة وآداب الحرمين. وأتاحت شركة «زين» للاتّصالات برنامجاً خليوياً يقدم معلومات تفصيلية عن الحج. وشملت عطايا شركات الخليوي «موبايلي» و «زين» و «الاتّصالات السعودية»، لضيوف الرحمن تبرعات عينية، شملت ما يزيد على مليون قارورة مياه معبأة. ووزّعت «موبايلي» مئات الآلاف من حقائب الظهر الخفيفة. كما وفّرت الشركة ذاتها خدمة الإنترنت اللاسلكية مجاناً في المشاعر المقدّسة لتمكين الحجاج من التواصل في ما بينهم. وقد ساعد الخليوي الحجيج على التواصل، والتعاطي مع الازدحام الشديد، والاهتداء إلى المفقودين. وحقّق قطاع الاتّصالات السعودي أرباحاً تزيد على 3 بلايين ريال في موسم الحج. منتديات الإنترنت تقود الحملات استخدمت المواقع الإلكترونية كمنتديات لتبادل الآراء حول معايير اختيار حملات الحج وتقويمها. ومن النوادر في هذا الخصوص أن أحد أصحاب حملات الحج لم يوفر وجبة الغداء حتى آذان المغرب، وعندما طالبه الحاج بالغداء رد صاحب الحملة عليه بأنه لا جدال في الحج! وفي هذا الشأن قدم موقع «توريزم غايد.كوم» toursmguide.com نصائح تفصيلية حول معايير اختيار حملة الحج. وأعطى معلومات عن الحملة ومدى بعد سكنها عن الحرمين والتزامها بوعودها في الطعام والمواصلات والتعجيل في رمى الجمرات وغيرها. كما نصح الموقع نفسه الحجاج بتقويم الحملة، وإيصال هذه المعلومات بالبريد العادي أو الإلكتروني للمسؤولين أو نشرها على الإنترنت، خدمة للآخرين. وأعطى أعضاء موقع «السبلة» العُمانية تقويماً عن حملة «مائدة النعمان»، كما اهتمت بعثة الحج العمانية بتقويم حملات الحج إلكترونياً بهدف مراقبة أدائها. واستخدمت خدمة «اسألني» الإلكترونية الرسائل النصية القصيرة لتقديم معلومات عن نسك الحج والمشاعر والخدمات اللوجستية. وكذلك وفّرت بوابة «حج مبرور» الإلكترونية لمديري حملات الحج خدمة استخدام الرسائل القصيرة في إدارة الخدمات اللوجستيّة للحجاج. وتشمل هذه الخدمات تقسيم الغرف، وتوزيع الحجّاج عليها، ومواعيد زيارة الأماكن المقدسة، ومعلومات عن الحجوزات، والعلاقات العائلية، والمحاضرات الدينية، ومواعيد تحرّك الحافلات وغيرها. ووفر خليوي «بلاك بيري» برنامجاً مجانياً للحج والعمرة يقدم إرشادات وشرح مصور للمناسك من مرحلة الإحرام وحتى نهايتها. ويعطي هذا البرنامج معلومات عن مواقيت الإحرام والأماكن الدينية التي يزورها الحاج عادة، وكذلك الممارسات التي يجب أن يتجنبها وطُرُق الأداء الشرعي للمناسك. ويعتمد هذا التطبيق على تقنية «تحديد المواقع على الأرض» («جي بي أس» GPS)، وقاعدة بيانات عن الأمور الفقهية المتصلة بالحج. وكذلك استخدمت بعثة الحج الماليزية الوسائط المتعددة في تدريب الحجاج عملياً ونظرياً على طُرُق تأدية المناسك بصورة شرعية دقيقة قبل سفرهم، مع التركيز على السلامة والسلوكات الخاطئة، ما أكسب حجاج ماليزيا سمعة عالية. باختصار، يمكن القول إن فكرة «الحج الذكي» حققت نجاحاً ملحوظاً. إلا أنها ما زالت تحتاج إلى استخدام أكثر لوسائل الإعلام الجديد، لزيادة تعاون الحجاج والمفوضين وبعثات الحج وأصحاب الحملات وغيرهم، مع جهود السلطات السعودية.