الأجواء اليوم في القاهرة ليست فقط ملبدة بقدر من الغيوم، لكنها محملة برياح «إخوانية» محتفلة، معضدة بأجواء سلفية متأرجحة بين الاحتفال والتأمين، ومواقف ثورية «محتدمة»، وضغط عصبي منخفض من أعضاء حزب «الكنبة» المرابطين في بيوتهم في مناسبة «العيد» - وفي أقوال ثورية أخرى «الذكرى» السنوية الأولى ل «ثورة 25 يناير». وفي ذلك الطقس الملبّد، تلعب وزارة الداخلية دور هيئة الأرصاد الجوية، محاولة التنبؤ بسرعة تحرك الرياح الموسمية (يُطلق عليها في مصر «الزعابيب») ودراسة سبل مواجهتها في حال تحولت إلى أعاصير عاتية أو «تسونامي» مدمر. أما القوات المسلحة فقد ارتدت الجلباب الاحتفالي الذي يبدو أنه يسعى إلى أن يتسع لكل الأفكار والآراء بمقدار اتساع القلب لكل الأبناء، مع وضع «شباب الثورة» في الصدارة من دون إقصاء لحركة أو ائتلاف. الانتقاء والاستثناء الواضحان كانا من نصيب ميدان التحرير الذي يرزح تحت وطأة العشرات من بائعي البطاطا المشوية وساندويتشات الكبدة والمخ وعدد من البلطجية الذين باتوا يقدمون أنفسهم باعتبارهم ثواراً، وهو ما ساهم طيلة الأشهر الماضية في تشويه صورتهم. عمليات «تطهير الميدان» التي شنها بعض من الشباب الثوار لم تسفر عن تغيير كبير، إذ استمرت رائحة البطاطا المشوية في المساهمة في عملية الاحتباس الحراري. احتباس من نوع آخر يتعرض له الميدان منذ مساء أمس، إذ يبدو أن كثيرين يرفعون شعار «الحجز بأولوية الوصول»، وهو ما أدَّى إلى مشاحنات عدة في قلب الميدان الأشهر الذي يحبس فيه البعض أنفسهم منذ يوم أمس لضمان مكان مميز في احتفالات ذكرى الثورة. ويبدو أن ما يسيطر على أجواء اليوم الملبدة، إن لم يكن بالغيوم فبمشاعر القلق المحملة بالتخوف مما قد يحدث، يسيطر أيضاً على الجميع. فالائتلافات والحركات والجماعات الشبابية الثورية خططت ورسمت خرائط وأعدت كامل عدتها من أجل مسيرات اليوم وهي تتخوف من تحويله إلى «جمعة قندهار» ثانية كتلك التي استولت فيها التيارات الدينية على الميدان يوم 29 تموز (يوليو) الماضي. وفي الوقت نفسه تستشعر تيارات دينية «نيّة مبيتة» من قبل بعض الثوار إما لتحويل المناسبة إلى «ثورة ثانية» قد تعصف بما حصل عليه «الإخوان المسلمون» والسلفيون من كعكة البرلمان، أو لإشاعة الفوضى. وعلى أرض الواقع الذي يئن منذ أسابيع من اختناق مروري مزمن، شهدت شوارع القاهرة أمس حالة غير معهودة من السيولة المرورية النسبية غير المعهودة، وذلك بعدما اتخذت الغالبية التابعة ل «حزب الكنبة» مواقعها على «كنبات» بيوتها تحسباً لتحول اليوم إلى ثورة ثانية، أو مواجهة غير محمودة بين القوى الثورية وتلك الدينية، أو عودة لأحد أبرز اللاعبين على الساحة المصرية السياسية خلال العام الماضي، ألا وهو «الطرف الثالث» المعروف عنكبوتياً ب «اللهو الخفي»! وعلى الصعيد العنكبوتي، فإن موقعي «تويتر» و «فايسبوك» يستعران تحت وطأة آلاف التغريدات والمشاركات إما الموجهة لخطوط سير المسيرات، أو المزودة إياهم بمعلومات حول الميدان، أو الساخرة والرافضة لبقية التيارات التي ينتمي إليها الآخرون! وبين تغريدتي «إن سُئلت مرتين من مجموعة الأصدقاء نفسها: هل تنوي النزول فعلاً للميدان يوم 25؟! فاعلم أنك لم تحسن اختيار الأصدقاء».