في رحلته إلى «جزيرة غطينوس» يجدّف الشاب السعودي محمد العوهلي بطريقة «شوية غير» كما يطلق على برنامجه الذي خصص له قناة على «يوتيوب»، ليقدم ما يمكن تسميته «رسالة اجتماعية» مختلفة، خارجاً من عباءة سابقيه من سعوديين خاضوا تجربة «مسلسلات يوتيوب» النقدية اللاذعة. ويبدو العوهلي الذي يطعّم برنامجه ب «نكهة وعظية» أقرب ما يكون الى «المصلح الاجتماعي»، مبتعداً عن انتقاد المادة والمحيط الجامد ونقص الخدمات أو الفساد، كما اعتاد أبطال «لا يكثر» و «عالطاير» وسواهم ممن سبقوه، ليقترب أكثر من انتقاد «السلوكيات الإنسانية»، منطلقاً من مبدأ «إنما الأمم الأخلاق...». أبرز التحديات التي يواجهها الشاب السعودي الذي دخل في ثلاثينات العمر، محاولة «نقد النقد»، ليتعامل بطريقة بالغة المهارة، ويتجاوز مستنقع الحساسية الذي يتحدى كل من يحاول دخول هذا الميدان. وأكثر ما يلفت النظر في التجربة الجديدة، التي شكلت خروجاً من السياق السهل، الذي يتخذ في كثير من الأحيان شكلاً «ديماغوجياً»، هو أسلوب الطرح المتميز وتلك «النصيحة اللذيذة» التي يعرضها معد ومقدم البرنامج من طريق سيناريو أو رسوم كاريكاتورية مساعدة، وبطرافة غير متكلفة. الابتعاد عن أسلوب الاستعراض في النقد، هو ما ينتهجه العوهلي، وشكل فارقاً مهماً بين التجارب السابقة، التي ركزت على الاستفزاز، والعزف الجماعي على مشاعر الناس، وما يرون انه ينقصهم، والابتعاد عن الخوض في المشكلات الحقيقية التي يعتبر فيها المجتمع وسلوكياته المسؤول الاول عن تشكلها وتضخمها. ويشكل البرنامج الذي أكمل حلقاته الثلاث قبل أسبوع، انعطافاً جدياً في التيار الذي انتهجته العاملون في هذا المجال، لأنه انتقل من نقد الآخر إلى نقد الذات، في وقت ينظر الى أصحاب «كاميرات يوتيوب» ممن اتخذوا جوانب أخرى، كانت عابرة، ولم تعلق في أذهان المتابعين، على أنها اتخذت اتجاهات «أنانية» أو حملت «نكهة برغماتية»، أو في أحسن الأحوال كانت خالية من أي مواصفات لافتة. والصوت الذي يخاطب به العوهلي مشاهديه، ليس صوته فقط، وإنما أصوات غيره من المشاهير، مستخدماً أحياناً مقاطع من أفلام أو مشاهد معروفة، في سبيل ايصال فكرته. لكن أبرز ما أتى به صاحب جزيرة «غطينوس» ذلك الاستخدام للتاريخ وللتراث وللنصوص الدينية، إضافة الى ضرب الأمثلة من تجارب من الشرق والغرب، ليحاول بذلك البحث عن «الوسطية» و «الشمولية»، والخروج من فخ التصنيف. عنوان البرنامج «شوية غير» يعبر بشكل دقيق عما يمارسه القائمون على البرنامج، فما ينادون به القليل من التغيير، في النفوس، والطبائع والسلوكيات، قبل المطالبة بتغيير «المحيط» وما وراءه. ولم يقتصر الاختلاف على المضمون بل طاول ايضاً الجوانب الفنية، إذ غذت الحلقات مقاطع كرتونية، ورسومات كاريكاتورية، عادة ما تكون في محلها، وأحياناً تأتي ساذجة. والأمر ينسحب على الموسيقى التصويرية، التي اعتمدت على «أصوات بشرية»، بدلاً من الآلات الموسيقية الكلاسيكية، كما يظهر في شارة البداية والنهاية. الطرفة الضعيفة أحياناً، أو الأسلوب الساخر في بعض المواقف التي لا تحتمل السخرية، أبرز ما يعيب التجربة التي من المفترض أن تكون الأكثر «نضجاً» بين التجارب السعودية، لتبقى قصة النجاح معتمدة على «شعرة معاوية». فما ان تزيد جرعتها النقدية حتى تنقطع ويذهب الجهد أدراج الرياح.