ودعت الأوساط المغربية الفنية والثقافية الفنان المغربي الأمازيغي الأطلسي محمد رويشة بأسى شديد. وما تلك الحرقة التي تركها رويشة في قلوب محبيه من العرب والأمازيغ سوى اشارة إلى حضوره القوي، منذ الستينات،هو الذي يعتبر أحد صناع الهوية المغربية الأصيلة في مجال الغناء باللهجتين المغربية و الأمازيغية دون تفريق ولا تمييز. بل إنه في السنين الأخيرة طغت الملامح الروحية على أغانيه، مما جعله يشارك في أكثر من دورة في مهرجان فاس للموسيقى الروحية إلى جانب فنانين روحيين من مختلف بلدان العالم. وزاد من روحية رويشة عزفه المتقن والبارع على آلة الوتر المغربي الذي يعود تاريخ عزف المغاربة عليها إلى أكثر من خمسة آلاف سنة. بل إنها تكاد تكون الآلة الوحيدة التي عزفت عليها جل ألوان الغناء المغربي: فن العيطة المرساوية، فن الملحون، فن العيطة الامازيغية. وإضافة إلى تجذرها في الفضاء الجبلي الأمازيغي، فإن رويشة أضاف إليها وتراً رابعاً، إذ لم تكن تعرف إلا بثلاثة أوتار. وإضافة إلى كل ذلك، فقد عزف عليها رويشة خالدة محمد عبد الوهاب «ست الحبايب» بعد أن ترجمها هو نفسه إلى الأمازيغية. والكل يعلم أن رويشة غناها من أجل أمه «عائشة» التي ارتبط بها ارتباطاً كبيراً. بدأ رويشة مساره الفني، وهو في العقد الثاني من عمره، مقلداً لأبرز رموز الغناء الامازيغي الذي هو الفنان «حمو أوليازيد» الذي طرب له الأمازيغ والعرب في مختلف أنواع الغناء. واعتبره رويشة أستاذه الأول، لأنه سخر فنه لقضايا الإنسان البسيط، لهموم القرية الأمازيغية في الجبال، لابتسامة العشاق، لأمل الفلاح، وسحر الجمال الأطلسي. ونظراً الى مهارة عزفه على آلة الوتر، وانسجامه الكبير مع روح الاصوات الأطلسية التي تتميز بالصفاء والقوة، استحق رويشة من محبيه لقب «فريد الأطلس». ومن يعرف مسار محمد رويشة، وعمق شخصيته، وتواضع طبعه، وتأثيره الكبير في الفن الامازيغي، يعرف لماذا كان يوم رحيله ثقيلاً على المغاربة كلهم، من كل الطبقات والأعمار واللغات، فهو رحيل فنان بقي طيلة أربعة عقود وهو ينتج ويجدد في الأغنية بلا تعب ولا تراجع أو تكرار، لاسيما عام2011، السنة التي أنتج فيها أجمل الأغاني «إيناس، إيناس» و« تدجيت آواتدجيت» ( أي: اذهب إذا أردت). كوّن رويشة نفسه بنفسه، وصقل مواهبه ومهاراته في العزف على آلة الوتر المغربي، وطورها حتى أصبحت مقترنة به. وبقي يعزف عليها ويطور العزف، في مزج بارع بين ألوان موسيقية محلية ووطنية، في قالب لا يخرج عن المقام الأطلسي الذي يمتاز باعتماده على «ربع نوتة». إنها رحلة رويشة مع آلة الوتر حتى آخر أيامه بمدينة «خنيفرة» التي ولد فيها عام 1952.