يستعد المتحف البريطاني في لندن لواحد من أهم الأحداث الثقافية لهذه السنة، إذ يَفتتح في 26 الشهر الجاري معرضاً شاملاً ومنوعاً هو الأول من نوعه في العالم بعنوان «الحج: رحلة إلى قلب الإسلام» ويتضمن مجموعة كبيرة من التحف والمخطوطات والمنسوجات واللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية، التي جمعت من أنحاء العالم لتعطي الزائرين صورة شاملة عن فريضة الحج ومناسكها، بكل أبعادها الروحية والثقافية والاجتماعية. وأتيحت ل «الحياة» فرصة جولة خاصة مع فينيشيا بورتر، المسؤولة في القسم الإسلامي الشرق أوسطي، للإطلاع على تفاصيل المعرض، بينما الخبراء والحرفيون منهمكون في استكمال تجهيز القطع الفنية التي تعود ملكيتها إلى مؤسسات كبرى من بينها المكتبة البريطانية العامة، مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض، متحف الفن الإسلامي في الدوحة، مجموعة الخليلي، وغيرها من المجموعات الخاصة. منذ فجر الإسلام تقول بورتر إن الأعمال الفنية، قديمها وحديثها، وفدت من حوالى أربعين جهة قدمت أندر القطع المتعلقة بالحج. والغاية من هذا المعرض هي سرد قصة الحج منذ فجر الإسلام، مع الإشارة إلى التقليد الإبراهيمي المتعلق ببناء الكعبة ذاتها. وكان التركيز على محاولة ربط الماضي بالحاضر من أجل إظهار استمرارية هذا الطقس الديني الذي يشارك فيه سنوياً أكثر من مليوني مسلم من أنحاء العالم. وتبيّن الجولة التفقدية، بمعية بورتر، أن للمعرض ترتيباً خاصاً يهدف إلى محاكاة رحلة الحج. فهناك أولاً دروب الحج التاريخية: درب زبيدة من ناحية العراق، الدرب المصري لشمال أفريقيا، الدرب الشامي، وأخيراً درب جدة للآتين بحراً من أنحاء العالم خصوصاً من جنوب شرقي آسيا. وتم توثيق هذه الدروب بواسطة المخطوطات النادرة والمنمنمات الدقيقة والقطع الأثرية، وأخيراً الصور الفوتوغرافية ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر. وهناك قسم خاص يعرض لمشاريع التطوير والتوسيع التي أدخلت على الحرم المكي منذ العام 1925، عندما أنجز الملك عبد العزيز آل سعود توحيد الجزيرة العربية. وتتوزع في أرجاء المعرض معلومات تفصيلية باللغتين الإنكليزية والعربية، إلى جانب فيلم يعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، يظهر تحرك المحمل المصري من القاهرة باتجاه الأراضي المقدسة. أما لحظات وصول المحمل إلى مكةالمكرمة، فقد سجلتها عدسات المصورين آنذاك، وفي المعرض لقطات نادرة منها. وبما أن رحلة الحج فريضة على كل مسلم قادر، أياً كان جنسه أو لونه أو وطنه، فإن التحف والمخطوطات والفخاريات (السيراميك) والمنسوجات تعطي الزائرين رؤية بانورامية للتنوع الجغرافي للمسلمين، مع ما يعنيه ذلك من تنوع ثقافي واجتماعي تعكسه الأعمال الفنية في المعرض. وبما أن رحلة الحج تنتهي في رحاب مكةالمكرمة، فإن أروقة المعرض تقودنا إلى قلب مكةالمكرمة، أي الكعبة، حيث يقف الزائر أمام جناح منفصل يشرح مناسك الحج المختلفة. وقد أعدّ فيلم خاص بالمعرض يوضح هذه المناسك وطرق تأديتها. وكما أن بعض الحجاج يقصد المدينةالمنورة لزيارة مسجد الرسول هناك، كذلك تأخذنا رحلة المعرض إلى المدينة للوقوف على تطورها العمراني على مدى العقود الماضية. أما ختام رحلة الحج والزيارة فتشهد شراء الحجيج الهدايا التذكارية للأهل والأصدقاء في أوطانهم الأصلية. ويقدم المعرض نماذج من هذه الهدايا التي تحمل بصمات إسلامية متنوعة، هي انعكاس لتنوع الخلفيات الاجتماعية لحجاج بيت الله الحرام. تنوع ثقافي خلال جولة «الحياة» في أروقة المعرض، كان عشرات التقنيين يضعون اللمسات الأخيرة على واجهات العرض واللوحات المعلقة والإضاءة... ومع أن العمل لم يكن مكتملاً تماماً إلا أن ملامحه الأساسية تنبئ بأنه سيكون حدثاً ثقافياً بارزاً في العاصمة البريطانية. وتقول بورتر إن الإعداد لهذا المعرض استغرق حوالى عامين، والقطع التي جمعت تحت سقف واحد لم يسبق أن احتواها مكان واحد من قبل. والغاية من كل ذلك أن يقف الزائر البريطاني والأجنبي، المسلم وغير المسلم، على كل ما يحيط بشعائر الحج، بكامل أبعادها الروحية والتاريخية والاجتماعية. فاجتماع مليوني شخص كل عام في رحاب مكة يبقى حدثاً عالمياً بامتياز، ويؤمل بأن يكون معرض «الحج: رحلة في قلب الإسلام» حدثاً ثقافياً بامتياز. يذكر أن المعرض يستمر من 26 الشهر الجاري إلى 15 نيسان (أبريل) المقبل. وسيشهد صدور كتاب يحمل العنوان نفسه، أشرفت على تحريره فينيشيا بورتر، ويتضمن دراسات لعدد من أبرز الاختصاصيين في شؤون الحج.