مع بداية دخول التكنولوجيا حياتنا اليومية، قيل إنها ستهدد الصحف والكتاب في شكل عام، إذ إن الصورة والمواقع الالكترونية ستستقطب القراء، وتسرقهم من المطبوعات. ومع تغلغل التكنولوجيا في حياتنا اليومية، قد يصلح القول ان «النطق» أصبح مهدداً، إذ دخل الكلام الحيز الضيق وهو آخذ بالتقلص يوماً بعد آخر، على رغم أن معظم مواقع التواصل الاجتماعي غالباً ما تتحول لما يُشبه الصبحيات الاجتماعية أو السهرات المليئة ب «القيل والقال». ولم يعد مشهد جَمعة أصدقاء أو عائلة على مائدة الطعام في مطعم أو في المنزل، يخلو من الضيف «الأول» في يد كل فرد منهم، هذا الذي يستخدم ال «واتس أب» لمحادثة أصدقائه، وذاك يعيش في كنف «البلاك بيري» خاصته، وتلك التي تُسارع إلى تحميل صور «مباشرة» على فايسبوك من هاتفها الذكي، ورابعة تحافظ على التواصل مع ابنها المغترب. ولم يعد مستغرباً تواجد أكثر من فرد في غرفة واحدة من دون ان يصدر منهم أي صوت... كل منهم متأبط لوحة «الآيباد» خاصته أو كمبيوتره المحمول، او حتى يلتقط الصور لطفله... حتى فقد الحديث فحواه، بعد أن اصبح الزوجان يمضيان نهاراتهم في التواصل عبر مختلف القنوات الاجتماعية. وفي حركة متناقضة النتائج، فإن الأدوات نفسها التي تُساهم في إبعاد أشخاص يقطنون المساحة نفسها عن التواصل في ما بينهم، تخلق مساحة أسهل للحفاظ على العلاقات التي تنشأ «عبر البحار»، بين حبيبين، زوج مغترب وعائلته، أم وأولادها، ولد وأهله، أو للاطمئنان إلى صحة العائلة والبلد وسلامتهما في أوقات الشدائد... مرة أخرى، تفرض العلاقة «تكنولوجيا–عائلة» نفسها علينا، وتأخذ حيزاً كبيراً من حياتنا اليومية، بعد أن أصبح عدد المشتركين في شبكات الهواتف الخليوية والانترنت يفوق في بعض البلدان عدد السكان، الذين يتعاملون مع أجهزة الهاتف، في شكل يدعو للدهشة، فالبعض يملك اثنين وأكثر، وكثيرون منهم يحملون هاتفاً بشريحتين، فيما عدد كبير من الشباب لديه أرقام في كل شركات الاتصال المتوافرة في البلاد، ويتنافس على نوعية الجهاز وعدد الأرقام التي يملكها ومدى سهولتها من عدمه. هي قضية التواصل الأسري في شكلها التقليدي، والتي كانت تجمع العائلة مرات عدة في اليوم، سواء الى موائد الطعام ام الى برامج التلفزيون أو جلسات الشاي، أصبحت نادرة وصعبة، وباتت تقتصر على العائلات التي لم تتمكن بعد من التواصل مع عالم التكنولوجيا، لأسباب اقتصادية ولوجستية، وما زالت تلجأ الى جهاز التلفزيون كمنفذ وحيد للتسلية.