تفيدنا آخر الأخبار السينمائية ان النجمة الهوليوودية آنجيلينا جولي قد وقّعت عقداً مع احد اكبر الاستوديوات الهوليوودية للقيام بدور كليوباترا في فيلم تاريخي ضخم جديد يزمع هذا الاستوديو الإقدام على انتاجه خلال العام الجديد البادئ لتوّه، على ان يكون واحداً من اضخم الأفلام التي تظهر خلال الشهور المقبلة. ومن الواضح انه يفترض بهذا الخبر ألا يفاجئ أحداً. أولاً لأن الفاتنة الهوليوودية تبدو بجمالها وشخصيتها واندماجها في «الحياة الشرقية» من خلال كونها سفيرة للأمم المتحدة، من اكثر الفنانات اقتراباً من شخصية ملكة الإسكندرية القديمة، وثانياً لأن الحقبة التي نعيشها باتت تفتقر الى رومانسية لا بد من استعادتها... وهل هناك ما هو اكثر رومانسية من حكاية كليوباترا؟ وثالثاً - وهذا الأمر يبدو شديد الأهمية ناهيك بحمله للتناقضات - التي سنفصّلها في ما يأتي - نعرف انه لم يحقق فيلم سينمائي حقيقي عن كليوباترا منذ عقود طويلة. وهنا مكمن التناقضات في رأينا... حيث اننا نعرف ان الفيلم الأخير الذي حقّق ضمن الإطار الهوليوودي عن الملكة المصرية، يعتبر حتى يومنا هذا واحداً من اكثر الأفلام إخفاقاً في تاريخ الفن السابع. وهو حتى اليوم يتصدّر قائمة الشرائط الأكثر خسارة في تاريخ السينما الجماهيرية. لقد بدت خسارة الفيلم يوم عرض كاللعنة غير المبررة، ما ادى منذ ذلك الحين الى توقّف المنتجين والمبدعين معاً عن التفكير - مجرد التفكير - في تحقيق اي فيلم جديد عن كليوباترا. ومع هذا يقول لنا تاريخ السينما العالمية انه لا يحصى عدد الأفلام التي كانت حققت عن كليوباترا نفسها منذ الأعوام الأولى لولادة الفن السابع وحتى بداية سنوات الستين من القرن العشرين حين حقّق هذا الفيلم الذي نحن في صدد الحديث عنه هنا. والسؤال المطروح حالياً على هذا الصعيد وإذ انتشرت أخبار توقيع آنجيلينا جولي عقد الفيلم الجديد هو: هل الفيلم الجديد سينسف اللعنة ام ان السينما تخوض مغامرة غير محسوبة؟ بمعنى ان حظ النجمة الشابة لن يكون افضل من حظّ سابقتها اليزابيث تايلور التي كانت قامت في «كليوباترا» القديم بدور الحسناء الملكية المصرية؟ طبعاً لن يمكن احداً الإجابة عن هذا السؤال قبل انجاز الفيلم الجديد وعرضه. وهنا، في انتظار ذلك قد يكون من المفيد العودة الى الفيلم السابق. سمعته إذاً تقوم في أنه واحد من أكثر الأفلام إخفاقاً وخسراناً في تاريخ السينما العالمية. بل إنه يوضع، عادة، في المكانة الأولى في أي لائحة تضم أسماء الأفلام العشرة التي كادت تودي بأصحابها الى الإفلاس أو هي أفلستهم بالفعل. وحتى اليوم لا يزال كثر من المؤرخين وأهل السينما يسألون عن سرّ ذلك الفشل الذريع الذي طاول، أواسط سنوات الستين من القرن الفائت، فيلماً كان كل ما هيّئ له وأنفق عليه يشي بأنه سيكون فيلماً كبيراً من الناحيتين التجارية والنقدية. والأدهى أن النوع السينمائي والتاريخي الذي ينتمي اليه هذا الفيلم ندر أن شهد إخفاقاً لمنتوج أنتجه. ففيلم «كليوباترا»، يتحدث عن حقبة من تاريخ مصر القديمة، من طريق حكاية الملكة الشهيرة وعشقها لمارك أنطونيو، في مدينة الاسكندرية. ونعرف ان الهوس الغربي عموماً، بكل ما يمسّ تاريخ مصر القديم، منذ الفراعنة وحتى عصر مكتبة الاسكندرية على الأقل، كان معمّماً، وكان عمره، في ذلك الحين قد زاد على القرنين. إذ منذ حملة بونابرت على مصر، ومنذ كتاب «وصف مصر» ومنذ اللوحات الرومانسية، وضروب الأدب الرائع والغني الذي كتب عن مصر في شتى اللغات الأوروبية، كان الجمهور العريض يقبل بشغف على كلّ ما يقدّم اليه ممهوراً بالصور والأجواء المصرية. وقد نذهب بعيداً هنا ونقول انه لولا هذا الهوس بمصر وتاريخها لما كانت مسرحية شكسبير «أنطوني وكليوباترا» حققت كل ذلك النجاح الذي حققته. وفي القرن العشرين، مع ظهور فن السينما، كانت لمصر القديمة في هذا الفن حصة كبيرة، عبر أفلام تدور إما حول بناة الأهرامات أو حول المومياء أو حول كليوباترا نفسها. وتيدا بارا، إحدى ألمع نجوم السينما الصامتة في هوليوود جعلت هذا الاسم الذي اتخذته لنفسها تحريفاً لكلمة «آراب ديث» (أي «موت عربي») تيمناً بمصر القديمة وكذلك بكليوباترا التي مثلت دورها وارتدت ما خيّل اليها انه ثيابها. فكيف والحال كذلك، عرف «كليوباترا» الذي نتحدث عنه هنا، كل ذلك الإخفاق؟ وكيف أدّى الى خسارة الشركة التي انتجته عشرات ملايين الدولارات وكاد يقضي على سمعة عدد كبير من النجوم شاركوا فيه، من إليزابيث تايلور وريتشارد بورتون الى ستيفن بويد وبيتر فينش؟ لعل السبب هو «لعنة الفراعنة»... قال قائل. أو لعل السبب هو أن مصر نفسها كانت تعيش زمن تحقيق الفيلم عهد عبدالناصر الذي لم يكن ليلقى رضى في الغرب، ما انعكس سلباً على الفيلم، أو لعل ذلك الزمن كان زمن السينما الاجتماعية الذي تضاءل فيه، عالمياً، الاهتمام بالسينما التاريخية... قال آخرون. وفي المقابل، قال عارفون ببواطن الأمور، ان الأمر لم يكن لا هذا ولا ذاك. المسألة تكمن في الفيلم نفسه إذ «لعل من الصعب أن يأخذ المرء على محمل الجدّ فيلماً يتجول أبطاله الرجال طوال الوقت وهم مرتدون التنانير القصيرة»... أو يحيّون بعضهم بعضاً على الطريقة الهتلرية... الفيلم، إذاً، هو «كليوباترا»... الذي ينطلق، أصلاً، من مسرحية شكسبير التي ذكرنا ليحاول أن يروي ذلك الفصل التاريخي المشوق. ولكن، كيف يمكن القبول بفيلم عن كليوباترا، لا تظهر هذه فيه للمرة الأولى إلا بعد نصف ساعة من بدء الفيلم، وفقط لتبدأ باستعراض أثوابها فتغير ستة وأربعين ثوباً خلال ما تبقى من زمن الفيلم؟ ولنلاحظ هنا أن الجملة الأولى التي تتفوه بها تلك التي كانت فاتنة الناس في ذلك الحين هي «ثانك يو» تلقيها بإنكليزية صارمة بدت وكأنها انكليزية مدرّسة صفوف ابتدائية. وبعد ذلك تتوالى المشاهد، وإذا بقيصر يظهر وقد استبدّت به نوبة صرع عنيفة. ثم إثر ذلك تظهر إليزابيث من جديد ولكن شبه عارية والخادمة تدلك لها جسداً كان من الترهل في ذلك الحين ما يجعله يحتاج حقاً الى تدليك. وإثر لقطة التدليك هذه يختلط الحابل بالنابل، تحترق مكتبة الاسكندرية، ثم تضع كليوباترا التاج على رأسها فيبدو مثل قطعة حلوى مقعرة. أما مارك انطونيو فلا يظهر إلا ابتداء من أول النصف الثاني من الفيلم... وهكذا تتوالى مشاهد هذا الفيلم العجيب، في شكل لا يعود معه من المستغرب أن يفشل، بل أن توضع على الرف، بعد فشله مشاريع «فرعونية» مشابهة. لكن هذا لم يكن كلّ شيء ذلك ان تصوير الفيلم بدأ في لندن بإدارة المخرج روبين ماموليان... ولم ينته إلا في روما بإدارة جوزف مانكفيتش، الذي، على رغم قوته وأفلامه الجيدة، لم يتمكن أبداً من إنقاذ هذا المشروع. ذلك أن شهور التصوير نفسها كانت كالكوابيس، بين نزوات السيدة تايلور، وطرد ستيفن بويد وبيتر فينش من تمثيل الفيلم، والغزل والخيانات الزوجية بين الثلاثي المؤلف من إليزابيث تايلور وزوجها السابق وذاك الذي سيصبح زوجها الجديد اللاحق، ريتشارد بورتون. وفي خضم هذا كله توالت الاضرابات. إضراب الحلاقين ثم رجال الكومبارس، ثم هرب المنتج الأول واستقالة المنتج الثاني... وكان هناك نوم ريتشارد بورتون وشخيره ساعات وساعات في بلاتوه التصوير. وعلى هذا كله لخص مانكفيتش ما حدث بهذه العبارات المختصرة: «ان هذا الفيلم صمم بسرعة، وصور في شكل هستيريا جماعية، وأنجز وسط مناخ من الرعب الشامل». اما الفيلم وكما سيقول عنه النقاد فينقسم قسمين: الحوارات الشكسبيرية الممطوطة والمعادة (80 في المئة من زمن الفيلم) والمعارك الحمقاء غير المقنعة (وعددها 3 معارك)... وكانت النتيجة ليس فقط واحداً من أكثر الأفلام إخفاقاً، بل أسوأها حظاً وأدناها من ناحية مستواه الفني، وقيل يومها: أكيد أن كليوباترا وشكسبير كانا يستأهلان أفضل من هذا المصير. فهل يتجلّى اليوم هذا المصير الأفضل في المشروع الجديد؟ [email protected]