لم يكن العام الجديد بالسعيد على عائلة الشاب اردوان ضياء نعمان الذي لقي حتفه أثناء احتفاله بعيد رأس السنة في مدينة مالمو الواقعة جنوبالسويد بعد إصابته بخمس طلقات نارية، استقرت إحداها في رأسه، لتكون الحاسمة في القضاء على حياته. ونعمان هو الضحية الثالثة من بين خمس ضحايا، قتلوا خلال أقل من شهر في مالمو ثالث أكبر مدينة في السويد بعد العاصمة استوكهولم وغوتنبرغ. وتعتقد الشرطة السويدية التي وجدت نفسها في حيرة نتيجة تكرار تلك الجرائم، أن الحيازة غير المشروعة للأسلحة وتنامي مافيات تهريبها إلى الدنمارك هي السبب وراء تلك الجرائم التي دقت ناقوس القلق بين صفوف الشرطة وأهالي المنطقة، وخصوصاً الشباب بينهم. وكغيره من أبناء جيله، خرج نعمان الذي يبلغ من العمر 15 عاماً مع أفراد عائلته، للاحتفال برأس السنة وإطلاق الألعاب النارية عند الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، وهي الطريقة التي يجرى بها الاحتفال في جميع المدن السويدية. لكنه وللأسف لم يعد مع عائلته، إذ قرر البقاء والاستمرار بالاحتفال. ولم تمضِ دقائق قليلة حتى تمكنت الرصاصات الخمس التي أطلقت من مجهول من إنهاء حياته. طريقة مأسوية استقبلت بها العائلة المهاجرة عامها الجديد. ويقول والد اردوان، ضياء نعمان إن ابنه كان بمزاج جيد ليلة الحادث، خصوصاً أنه حصل على علامات جيدة في الفصل الأول من السنة الدراسية كما أنه تمكن من الحصول على فرصة عمل خلال يومي العطلة الأسبوعية (السبت والأحد) في أحد مطاعم الوجبات السريعة إضافة إلى أنه كان يتمرن للحصول على إجازة السوق السويدية. لكن تقارير الشرطة تفيد وبناء على تحقيقات أولية بأن نعمان ارتكب عدداً من الجنح ولم يعاقب عليها نظراً إلى سنه التي لا تسمح بذلك. وأياً كان السبب الذي يقف خلف جريمة قتل نعمان، فالنتيجة واحدة بنظر المسؤول التنفيذي للوقاية من الجريمة في شرطة مالمو هنريك شيرنبلاد، وهي تنامي حيازة الأسلحة النارية غير المشروعة وتزايد المافيات التي تهربها وتحاول تصفية حساباتها مع بعض عناصرها بطريقتها الخاصة، إضافة إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وعوامل أخرى تساعد على زيادة الجريمة بين المراهقين والشباب. ويقول الناشط المدني والمتابع لشؤون المهاجرين في مدينة مالمو جاسم المظفر إن عصابات الجريمة المنظمة ومن بينها مافيات تهريب الأسلحة والمخدرات وأخرى تقوم بابتزاز أصحاب المحال الخاصة، شهدت انتشاراً وتوسعاً كبيرين في الآونة الأخيرة. ويؤكد المظفر ل «الحياة» أن «الشباب هم الطعم الأسهل لمثل هذه العصابات، خصوصاً أولئك الذين يعانون من البطالة والعزلة الاجتماعية، وهي أمور تجد تربة خصبة لها وسط أوساط المهاجرين، لذلك فإن مثل هذه العصابات تنشط وتزداد عدداً في المناطق التي تسكنها نسبة عالية من المهاجرين، مثل مالمو التي تزيد فيها نسبتهم عن ال30 في المئة». ووفقاً لقانون الأسلحة السويدي الصادر عام 1996، يمنع استخدام السلاح في البلد منعاً باتاً من دون رخصة من قبل الجهات المختصة، ويقتصر استخدامه على الأشخاص الذين يمتهنون مهناً تخولهم استخدام السلاح مثل أفراد الشرطة. وما يعزز وجود عصابات تهريب الأسلحة في المنطقة وزيادة نشاطها، أن مالمو مدينة حدودية، وتعتبر أقصر طريق إلى الدنمارك من طريق جسر «أورسوندسبرو». وعلى رغم نشاط السلطات الجمركية، تستمر عملية تهريب الأسلحة في شكل يثير قلق الشرطة السويدية ويجعلها في حيرة من أمرها حول نشاط العصابات. ويوضح المظفر أن الشرطة في مالمو طلبت تعزيزات أمنية مركزية «وسيتم تشكيل لجان خاصة لبحث هذه القضية، وإجراءات أكثر تشديداً ستتخذ في مجال مراقبة العصابات والنشاطات». وينتقد هنريك شيرنبلاد من شرطة مالمو القانون السويدي، واصفاً إياه ب «المتسامح جداً»، ومؤكداً ضرورة التشديد على عقوبة حيازة الأسلحة في شكل غير قانوني حتى بين المراهقين والأحداث عموماً. حوادث القتل الخمسة أثارت حالاً من الهلع بين صفوف الشباب في المنطقة، حتى ان كثيرين باتوا يتوجسون من الخروج ليلاً أو التجول في مناطق معينة كي لا تصيبهم رصاصة طائشة من هنا أو هناك، واصفين الوضع في المدينة ب «المخيف» وأن إطلاق النار بات يسمع كل يوم وفي شكل عادي، وهو أمر ليس مألوفاً في السويد. أم تبلغ عن ابنها وكرد فعل على هذه الحالة، قرر عدد من أولياء الأمور التصدي للجريمة ومنع أبنائهم الشباب من أن يكونوا ضحايا لشباك العصابات المنظمة، فتم إنشاء صفحة جديدة على اليوتيوب باسم «الأبوة والأمومة ضد العصابات الإجرامية والمخدرات»، تقدم المعونة والدعم للوالدين. وتؤكد القائمة على الصفحة يني الفين بورغستروم أنها أبلغت الشرطة عن ابنها لأنها ضبطته متورطاً في قضية أسلحة، وهي ترى أن فقدانه لبضع سنوات في السجن أفضل من فقدانه إلى لأبد. وفي القاعة التي احتشدت بالأهل والأصدقاء، توسطت صورة نعمان مائدة عريضة، رصت بأنواع مختلفة من الزهور والفاكهة والحلوى والشموع، ليس فرحاً بالعام الجديد بل حداداً على ابن ال15 الذي خلف وراءه ذكرى أليمة، سيدق ناقوسها مع إطلالة كل عام جديد.