حتى وقت قريب كنا لا نسمع الصراخ في البرامج التلفزيونية إلا في المسلسلات، ثم تطور الأمر ووصل إلى الحوارات السياسية، وأخيراً انتقلت العدوى لحوارات البرامج الرياضية التي صار رفع الصوت والتهكم في الرد سمة لها باختيار رموز التعصب ضمن ضيوفها ممن لا يقيمون وزناً لأحد ولا يلتزمون بأبجديات الحوار التي تقوم على احترام الآخرين وتقبل وجهات النظر وعدم الاستخفاف بها أو التقليل من أصحابها. وبدلاً من أن تسهم هذه البرامج في تقديم أفكار بناءة تقنع المشاهدين أو يطرح المستضافون فيها آراء تسهم في إزالة الاحتقان، كانت للأسف تغذي التعصب الرياضي من خلال تعنت غالبيتهم لأفكاره ورؤاه وكأنه هو الوحيد (الصح) والبقية على خطأ في افتعال فج للإثارة، خصوصاً أن الضيوف يكررون بشكل دائم كأنه لا يوجد سواهم، في حين أن الساحة الرياضية فيها كثير من الأقلام الرزينة التي تقود إعلاماً نقياً خالياً من العقد والإحباطات النفسية التي تدفع صاحبها نحو التهور فلا يتورع عن الكذب قولاً في البرامج الرياضية أو حروفاً بما يسطِّر في زاويته، حتى صار الفضاء للنحيب والصراخ، حتى إن الأمور لتخرج عن سيطرة مقدم البرنامج أمام سطوتهم وهو يقلب رأسه بين هذا وذاك غير قادر على إدارة دفة الحوار، وعندما تُعييه الحيلة يخرج نفسه من المأزق بفاصل إعلاني علَّ السكينة تعود ليكمل محاور برنامجه لكن هيهات. كم من الضيوف وجدوا أن الوقت المخصص لهم ليس كغيرهم وقوبلوا ببتر آرائهم؟ وكم من القضايا المهمة والتصريحات التي كان يمكن أن تفتح ملفات ساخنة غيبت عمداً أو سهواً أو بفعل فاعل؟ فنجا أصحابها من العقوبات وأخرى أشعلوها تحت ستار الدين والوطنية وتاريخ وجغرافيا البلد حتى غدت كأنها جريمة لا بد من استصدار عقوبات مغلظة عليها، وقد كان، فهم يظهرون في الأوقات كافة ولكنهم أبشع ما يكونون عند هزائم أنديتهم وعند اختيار لاعبي المنتخب للنقد السلبي والمحبط ولا شيء غيره. برامجنا الرياضية تخلو من المهنية إعداداً وتقديماً وإخراجاً ومرد ذلك الميول التي ما زالت تحكم العمل وتسيره وفق ما تريد وليس ما يفترض أن يكون لأنه ملك للجميع ولا يحق لكائن من كان أن يتحكم فيما يعرض وما لا يعرض إلا الجهات الرسمية العليا وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، وغير ذلك لا وألف لا. إن أرادت قناتنا الرياضية أن تبقي بينها وبين مشاهديها حبل ود أساسه الثقة والمهنية العالية التي لا تتغير فلتلتزم الحياد والموضوعية، ولن يأتي ذلك إلا بالمحاسبة والشفافية، فليس عيباً أن نخطئ، ولكن العيب أن نواصل الخطأ والسقوط. [email protected]