إن كنت قد تابعت التلفزيونات في رأس السنة، فلا بد أنك تقززت قليلاً أو كثيراً، و"كويس منك ما كسرت الشاشة". ما هذه المهزلة يا جماعة؟ مهزلة! لا هذه الكلمة تعتبر تعبيراً بسيطاً، في حق. نعم فهي تفي بالغرض لمثل هؤلاء، أحقر ناس عرفهم التاريخ الإعلامي الحديث، ألا وهم المنجمون وتوقعاتهم وتنبؤاتهم وأبراجهم، بصارة وأبراج، يدعون أنهم يكشفون الأسرار وخبايا الأمور ومعرفة الغيب وما في الجيب وحظك وبختك ومطالعة طالعك ونازلك ومستقبلك، لا بل مستقبل العالم من بيروت إلى الصين. والأغرب منهم من يستضيفهم على الشاشات واليوتيوبات، تشويش وتدمير لنفوس البشر وبث إشاعات بغرض وضع الناس في حالة إحباط، خصوصاً أولئك الذين يصدقون هذا الكذب العلني، ولا تقل لي إن المشاهد بريء مما يبثون، فهو سيتأثر بهذا الدجل وسينعكس سلباً على نفسيته. المحبط أن فضائيات تسوق لتوقعاتهم ومن عنده أكثر في جيبه له النصيب الأكبر من الظهور ومن الإعلانات، وأي سخف هذا من المتابع؟ وأي جهل؟ فلقد وصف جميع العلماء التنجيم بالزائف والخرافة وحرم الدين هذا الكذب والبهتان، فكيف تتجرأ كل هذه المؤسسات الإعلامية على بثه؟ ثم ما الجديد في ما يقولون ويهولون له من أن انفجاراً سيحدث أو زلازلاً سيقع أو عواصف ستقتلع أو رئيساً سيتغير أو حزباً سياسياً سيفوز على الآخر أو سعر اليورو سيتغير مقابل الدولار. يا أخي دور لندن من عشية والبي بي سي تعلمك. لا تقل لي إنه ليس طبيعياً يا سيدي أن تحصل كوارث طبيعية على هذه الكرة الأرضية، وليس من الطبيعي أن تحدث أزمات اقتصادية في العالم، أما الحروب والاغتيالات فهي جزء من هذا العالم منذ فجر تاريخه، فما هو الجديد غير اللعب على عقول بعض الناس ونفوسهم؟ لذا تراني أتساءل: هل الهدف هو ربحي فقط أم أن وراءه شيئاً ما؟ والتأمر لذا أوجه أصابع الاتهام إلى الإعلام، لأن وظيفته هي التثقيف والترفيه والإخبار عن المستجدات في العالم، لا تقديم البرامج التافهة والسطحية، والأخطر التدجيل والتنجيم. لكن هؤلاء الإعلاميين أخلوا بوظيفتهم شكلاً ومضموناً، وباعتباري شبه إعلامية، فإنني أبشركم بسنة جميلة: ستهدأ فيها النفوس وتعم الفلوس وتكون سنة حلوة على الجميع، ولأني مسلمة ولأن ديني يعلمني أن أستبشر بالخير، أذكركم دوماً: تفاءلوا بالخير تجدوه. [email protected]